التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

قائد الثورة يوجه رسالة مهمة الى الشباب الغربي حول الهاجس المشترك للارهاب 

طهران ـ سياسة ـ الرأي ـ

وجه قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي رسالة مهمة الى الشباب الغربي باللغة الانجليزية تحدث فيها عن قضية الهاجس المشترك المتعلق بالارهاب .

وفيما يلي نص رسالة قائد الثورة الاسلامية الى الشباب الغربي:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى كل الشباب في البلدان الغربية
الأحداث المريرة التي ارتكبها الإرهاب الأعمى في فرنسا دفعتني مرة أخرى لمخاطبتكم. ويؤسفني أن توفر مثل هذه الأحداث أرضية الحوار، بيد أن الواقع هو أن القضايا المؤلمة إذا لم توفر الأرضية للتفكير بالحلول ولم تعط الفرصة لتبادل الأفكار، فستكون الخسارة مضاعفة. فمعاناة الإنسان، في أيّ مكان من العالم، محزنة بحد ذاتها لبني البشر. مشهد طفل في حالة نزع الروح أمام أحبائه، وأمّ تبدلت فرحة عائلتها إلى مأتم، وزوج يحمل جسد زوجته مسرعا إلى ناحية ما، أو متفرّج لا يدري أنه سيشاهد بعد لحظات المقطع الأخير من مسرحية حياته، هذه ليست مشاهد لا تثير العواطف والمشاعر الإنسانية. كل من له نصيب من المحبة والإنسانية يتأثر ويتألم لمشاهدة هذه المناظر، سواء وقعت في فرنسا، أو في فلسطين والعراق ولبنان وسورية. ولا شك أن ملياراً و نصف المليار من المسلمين لهم نفس الشعور، و هم براء ومبغضون لمرتكبي هذه الفجائع ومسببيها. غير أن القضية هي أن آلام اليوم إذا لم تؤد إلى بناء غد أفضل وأكثر أمناً، فسوف تختزل لتكون مجرد ذكريات مُرّة عديمة الفائدة. إنني أؤمن أنكم أنتم الشباب وحدكم قادرون، باستلهام الدروس من محن اليوم، على أن تجدوا السبل الجديدة لبناء المستقبل، وتسدوا الطرق الخاطئة التي أوصلت الغرب إلى ما هو عليه الآن.
صحيح أن الإرهاب أصبح اليوم الهم والألم المشترك بيننا وبينكم، لكن من الضروري أن تعرفوا أن القلق وانعدام الأمن الذي جرّبتموه في الأحداث الأخيرة يختلف اختلافين أساسيين عن الآلآم التي تحملتها شعوب العراق واليمن وسورية وأفغانستان طوال سنين متتالية: أولا إن العالم الإسلامي كان ضحية الإرهاب والعنف بأبعاد أوسع بكثير، وبحجم أضخم، ولفترة أطول بكثير. و ثانيا إن هذا العنف كان للأسف مدعوماً على الدوام من قبل بعض القوى الكبرى بشكل مؤثر وبأساليب متنوعة. قلّ ما يوجد اليوم من لا علم له بدور الولايات المتحدة الأميركية في تكوين و تقوية و تسليح القاعدة، و طالبان، و امتداداتهما المشؤومة. و إلى جانب هذا الدعم المباشر، نرى حماة الإرهاب التكفيري العلنيون المعروفون كانوا دائماً في عداد حلفاء الغرب بالرغم من أن أنظمتهم أكثر الأنظمة السياسية تخلفاً، بينما تتعرض أكثر و أنصع الأفكار النابعة من الديمقراطيات الفاعلة في المنطقة إلى القمع بكل قسوة. والإزدواجية في تعامل الغرب مع حركة الصحوة في العالم الإسلامي هي نموذج بليغ للتناقض في السياسات الغربية.
الوجه الآخر لهذا التناقض يلاحظ في دعم إرهاب الدولة الذي ترتكبه إسرائيل. الشعب الفلسطيني المظلوم يعاني منذ أكثر من ستين عاماً من أسوأ أنواع الإرهاب. إذا كانت الشعوب الأوروبية اليوم تلوذ ببيوتها لعدة أيام و تتجنب التواجد في التجمعات و الأماكن المزدحمة، فإن العائلة الفلسطينية لا تشعر بالأمن من آلة القتل و الهدم الصهيونية منذ عشرات الأعوام، حتى و هي في بيتها. أيّ نوع من العنف يمكن مقارنته اليوم من حيث شدة القسوة ببناء الكيان الصهيوني للمستوطنات؟ إن هذا الكيان يدمر كل يوم بيوت الفلسطينيين و مزارعهم و بساتينهم من دون أن يتعرض أبداً لمؤاخذة جادة مؤثرة من قبل حلفائه المتنفذين، أو على الأقل من المنظمات الدولية التي تدعي استقلاليتها، من دون أن تتاح للفلسطينيين حتى فرصة نقل أثاثهم أو حصاد محاصيلهم الزراعية، و يحصل كل هذا في الغالب أمام الأعين المذعورة الدامعة للنساء و الأطفال الذين يشهدون ضرب و أصابة أفراد عوائلهم، أو نقلهم في بعض الأحيان إلى مراكز التعذيب المرعبة. ترى هل تعرفون في عالم اليوم قسوة بهذا الحجم و الأبعاد و بهذا الاستمرار عبر الزمن؟ إمطار سيدة بالرصاص في وسط الشارع لمجرد الاعتراض على جندي مدجّج بالسلاح، إنْ لم يكن إرهاباً فما هو إذن؟ و هل من الصحيح أن لا تعدّ هذه البربرية تطرفاً لأنها ترتكب من قبل قوات شرطة حكومة محتلة؟ أو بما أن هذه الصور تكررت على شاشات التلفزة منذ ستين سنة، فإنها يجب أن لا تستفز ضمائرنا؟.
الحملات العسكرية التي تعرض لها العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، و التي تسببت في الكثير من الضحايا، هي نموذج آخر لمنطق الغرب المتناقض. البلدان التي تعرضت للهجمات ، فقدت بناها التحتية الاقتصادية و الصناعية، و تعرضت مسيرتها نحو الرقي و التنمية إما للتوقف أو التباطؤ، و في بعض الأحيان تراجعت لعشرات الأعوام فضلاً عن ما تحملته من خسائر إنسانية. و رغم كل هذا يطلب منهم بوقاحة أن لا يعتبروا أنفسهم مظلومين. كيف يمكن تحويل بلد إلى أنقاض و إحراق مدنه و قراه و تحويلها إلى رماد، ثم يقال لأهاليله لا تعتبروا أنفسكم مظلومين رجاء! أليس الأفضل الاعتذار بصدق بدل الدعوة إلى تعطيل الفهم أو نسيان الفجائع؟ إن الألم الذي تحمله العالم الإسلامي خلال هذه الأعوام من نفاق المهاجمين و سعيهم لتنزيه ساحتهم ليس بأقل من الخسائر المادية.
أيها الشباب الأعزاء، إنني آمل أن تغيروا أنتم في الحاضر أو المستقبل هذه العقلية الملوثة بالتزييف والخداع، العقلية التي تمتاز بإخفاء الأهداف البعيدة و تجميل الأغراض الخبيثة. أعتقد أن الخطوة الأولى في توفير الأمن و الاستقرار هي إصلاح هذه الأفكار المنتجة للعنف. و طالما تسود المعايير المزدوجة على السياسة الغربية، و طالما يقسّم الإرهاب في أنظار حماته الأقوياء إلى أنواع حسنة و أخرى سيئة، و طالما يتم ترجيح مصالح الحكومات على القيم الإنسانية و الأخلاقية، ينبغي عدم البحث عن جذور العنف في أماكن أخرى.
لقد ترسّخت للأسف هذه الجذور تدريجياً على مدى سنين طويلة في أعماق السياسات الثقافية للغرب أيضاً، و راحت تعِدّ لغزو ناعم صامت. الكثير من بلدان العالم تعتز بثقافاتها المحلية الوطنية، تلك الثقافات التي غذّت المجتمعات البشرية على نحو جيد طوال مئات الأعوام محافظه على إزدهارها و إنجابها. و العالم الإسلامي ليس استثناء لهذه الحالة. و لكن العالم الغربي استخدم في الحقبة المعاصرة، أدوات متطورة مصرّاً على الاستنساخ و التطبيع الثقافي في العالم. إنني أعتبر فرض الثقافة الغربية على سائر الشعوب، و استصغار الثقافات المستقلة، عنفاً صامتاً و عظيم الضرر. و يتم إذلال الثقافات الغنية و الإساءة لأكثر جوانبها حرمة، رغم أن الثقافة البديلة لا تستوعب ان تكون البديل لها على الإطلاق. وعلى سبيل المثال، إن عنصري «الصخب» و «التحلل الأخلاقي» اللذين تحوّلا للأسف إلى مكوّنين أصليين في الثقافة الغربية، هبطا بمكانتها و مدى قبولها حتى في موطن ظهورها. و السؤال الآن هو: هل هو ذنبنا نحن أننا نرفض ثقافة عدوانية متحللة بعيدة عن القيم؟ هل نحن مقصّرين إذا منعنا سيلاً مدمراً ينهال على شبابنا على شكل نتاجات شبه فنية مختلفة؟.
إنني لا أنكر أهمية الأواصر الثقافية و قيمتها. و هذه الأواصر متى ما حصلت في ظروف طبيعية و شهدت احترام المجتمع المتلقي لها ستنتج التطور و الإزدهار والإثراء. و في المقابل فإن الأواصر غير المتناغمة و المفروضة ستعود فاشلة جالبة للخسائر. يجب أن أقول بمنتهى الأسف أن جماعات دنيئة مثل داعش هي ثمرة مثل هذه الصلات الفاشلة مع الثقافات الوافدة. فإذا كانت المشكلة عقيدية حقاً لوجب مشاهدة نظير هذه الظواهر في العالم الإسلامي قبل عصر الاستعمار أيضاً، في حين أن التاريخ يشهد بخلاف ذلك. التوثيقات التاريخية الأكيدة تدلّ بوضوح كيف أن التقاء الاستعمار بفكر متطرف منبوذ نشأ في كبد قبيلة بدوية، زرع بذور التطرف في هذه المنطقة. و إلّا كيف يمكن أن يخرج من واحدة من أكثر المدارس الدينية أخلاقاً و إنسانية في العالم ، و التي تعتبر وفق نسختها الأصلية أن قتل إنسان واحد يعدّ بمثابة قتل الإنسانية كلها، كيف يمكن أن يخرج منها زبلٌ مثل داعش؟.
من جانب آخر، ينبغي السؤال: لماذا ينجذب من ولد في أوروبا و تربّى في تلك البيئة الفكرية و الروحية إلى هذا النوع من الجماعات؟ هل يمكن التصديق بأن الأفراد ينقلبون فجأة بسفرة أو سفرتين إلى المناطق الحربية إلى متطرفين يمطرون أبناء وطنهم بالرصاص؟ و بالتأكيد علينا أن لاننسى تاثيرات التغذية الثقافية غير السليمة في بيئة ملوثة و منتجة للعنف طوال سنوات عمر هولاء. ينبغي الوصول الي تحليل شامل في هذا الخصوص، تحليل يكشف النقاب عن الأدران الظاهرة و الخفية في المجتمع. و ربما كانت الكراهية العميقة التي زرعت في قلوب شرائح من المجتمعات الغربية طوال سنوات الازدهار الصناعي و الاقتصادي، و نتيجة حالات عدم المساواة، و ربما حالات التمييز القانونية و البنيوية، قد أوجدت عقداً تتفجّر بين الحين و الآخر بهذه الأشكال المريضة.
على كل حال، أنتم الذين يجب أن تتجاوزوا الصور الظاهرية لمجتمعاتكم، و تجدوا مكامن العقد و الأحقاد و تكافحوها. ينبغي ترميم الهوّات بدل تعميقها. الخطأ الكبير في محاربة الإرهاب هو القيام بردود الأفعال المتسرّعة التي تزيد من حالات القطيعة الموجودة. أية خطوة هياجية متسرعة تدفع المجتمع المسلم في أوروبا و أميركا، و المكوّن من ملايين الأفراد الناشطين المتحمّلين لمسؤولياتهم، نحو العزلة أو الخوف و الاضطراب، و تحرمهم أكثر من السابق من حقوقهم الأساسية، و تقصيهم عن ساحة المجتمع، لن تعجز فقط عن حل المشكلة بل ستزيد المسافات الفاصلة و تكرّس الحزازات. التدابير السطحية و الانفعالية، خصوصاً إذا شرعنت وأضفي عليها الطابع القانوني، لن تثمر سوى تكريس الاستقطابات القائمة و فتح الطريق أمام أزمات مستقبلية.
وفقاً لما وصل من أنباء، فقد سنّت في بعض البلدان الأوروبية مقررات تدفع المواطنين للتجسس على المسلمين. هذه السلوكيات ظالمة، و كلنا يعلم أن الظلم يعود عكسيا شئنا أم أبينا. ثم إن المسلمين لا يستحقون هذا الجحود. العالم الغربي يعرف المسلمين جيداً منذ قرون. إذ يوم كان الغربيون ضيوفاً في دار الإسلام و امتدت أعينهم إلى ثروات أصحاب الدار، أو يوم كانوا مضيّفين و انتفعوا من أعمال المسلمين و أفكارهم، لم يلاقوا منهم في الغالب سوى المحبة و الصبر. و عليه، فإنني أطلب منكم أيها الشباب أن ترسوا أسس تعامل صحيح و شريف مع العالم الإسلامي، قائم على ركائز معرفة صحيحة عميقة، و من منطلق الاستفادة من التجارب المريرة. في هذه الحالة ستجدون في مستقبل غير بعيد أن البناء الذي شيّدتموه على هذه الأسس يمدّ ظلال الثقة و الاعتماد على رؤوس بُناته، و يهديهم الأمن و الطمأنينة، و يشرق بأنوار الأمل بمستقبل زاهر على أرض المعمورة. انتهى

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق