الحرب الإعلامية الأمريكية في مواجهة منظومة “S-٤٠٠” الروسية
لم تمض ٤٨ ساعة على حادثة إسقاط القاذفة الروسية “سو٢٤” حتى قرر الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” نشر منظومة “S-٤٠٠ ” الصاروخية في مطار حميميم في سورية، هذه الخطوة التي أقدمت عليها موسكو تعرضت للكثير من الهجمات السياسية ومحاولات النقد، ليست تركيا هي الوحيدة التي شعرت بهول الدوامة التي دخلت فيها و خطورتها، فأمريكا أيضًا بدأت تتذمر من منظومة الصواريخ معتبرةً أنها ستزيد الأمور تعقيدًا، وكان “شارلز براون”، قائد القوات الجوية الأمريكية، قد صرح علانيةً أن منظومة الصواريخ الروسية ستعيق عمليات التحالف الدولي في سورية.
تسعى واشنطن من خلال تصريحات “براون” وما سبقها من تصريحاتٍ لـ”ميشال بالدانسا” المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية إلى حرف مسار الأحداث لصالحها – إعلاميًا على الأقل- و تتويج نفسها على رأس الهرم المحارب لتنظيم “داعش” التكفيري، فروسيا التي لم تبدأ عملياتها الجوية في سورية إلا منذ أشهر قليلة استطاعت و بوضوح كسر شوكة التيارات التكفيرية التي لم تصبح عاجزة عن إحراز التقدم و حسب، بل بدأت بالتراجع كما في جبهة حلب، و هذا ما جعل أمريكا تعيش حالة القلق من أن تصبح موسكو هي المحارب الأول للإرهاب، و خاصة أن آثار التحالف الذي تقوده واشنطن لم تظهر رغم مضي أكثر من عام على بدء عملياته في سورية، و لهذا فإن واشنطن تسعى لإيجاد حجة تبرر عدم مشاركتها في قتال تنظيم “داعش” الإرهابي.
هذا واستغلت واشنطن نشر منظومة الصواريخ الروسية لتشويه صورة موسكو و التغطية على الإنجازات التي حققتها في الأونة الأخيرة، و رغم فشل قوات التحالف على مدار أكثر من عام عن تحقيق أي تقدم ملموس ضد تنظيم داعش الإرهابي تحاول أمريكا إظهار نفسها على أنها تسعى لمحاربة الإرهاب في حين أن موسكو هي من يعرقل هذه المساعي، و هذا يدخل في نطاق الحرب الإعلامية التي تشنها واشنطن على موسكو، فروسيا أكدت مرارًا أنها جاهزة للتعاون مع أي دولة تريد أن تساهم في محاربة الإرهاب بشكل جدي، كما أن المنظومة الصاروخية نُشرت بعد استهداف أنقرة حليفة “واشنطن” للقاذفة الروسية “سو٢٤” التي كانت تدك معاقل الإرهاب، و هذه الحادثة تكفي لإظهار من يحارب الإرهاب و من يحارب محاربي الإرهاب!.
كما تهدف أمريكا من خلال الاعتراض على منظومة الصواريخ الروسية التي نشرت في مدينة اللاذقية السورية، الضغط على روسيا و حرف الرأي العام العالمي و تجيشه ضدها، وخاصة أن الخطوة التي أقدمت عليها موسكو تشكل عقبةً في وجه المخططات التركية-الأمريكية، فلم يعد هناك أي أمل في منطقة عازلة في سورية، كما أصبحت أنقرة عاجزة عن التدخل المباشر في سورية، ناهيك عن المشاريع الأمريكية المرسومة للمنطقة و التي باتت مهددة بالفشل بعد دخول منظومة “S-٤٠٠ ” الأحدث على مستوى العالم إلى سورية.
ويمكن اعتبار اعتراض واشنطن على ردة الفعل الروسية بمثابة دعم لأنقرة التي باتت في قلب المتاهة، فالبنتاغون و إن نفى منذ اللحظة الأولى أي دور لواشنطن في عملية إسقاط الطائرة، إلا أنه من البديهي أن أنقرة لن تتجرأ على استهداف طائرة روسية داخل الأراضي السورية دون إذن الأب الروحي “واشنطن”، فتركيا تخشى تبعات هكذا عمل و تحتاج إلى من يدعمها سياسيًا و عسكريًا إذا اقتضى الأمر، وهذا ما يشكل سببًا إضافيًا يدفع أمريكا إلى نصرة أنقرة و دعمها كي لا تنكسر في وجه الروس، فتركيا تعتبر المُسيّر الأول للجماعات التكفيرية في سورية، و انكسارها بمثابة بدء تهاوي محور التكفير.
الحرب الإعلامية التي تشنها واشنطن ضد موسكو من خلال التذمر من القتال ضد التيارات التكفيرية و إلقاء اللوم في ذلك على روسيا، ينبئ بمخطط أمريكي جديد يهدف إلى تقسيم سورية جويًا إلى قسمين، قسم شرق سورية و تشرف عليه واشنطن، وقسم غرب سورية يخضع لرقابة موسكو، على أن لا تدخل أي من الدولتين الأجواء الخاضعة إلى الأخرى، ولكن هذا المخطط لن يكتب له النجاح، بسبب رفض الدولة السورية و حلفائها كافة أشكال التقسيم، كما أن روسيا تعرقل هذا المخطط من خلال الطلعات الجوية المستمرة التي تنفذها شرق سورية.
المساعي الأمريكية لاستغلال الفخ الذي أُسقط فيه أردوغان توضح مدى ابتعاد واشنطن عن المواجهة المباشرة مع موسكو، و اعتمادها إسلوبي الحرب بالنيابة و الحرب الإعلامية، كما أن هذا الأمر ينبئ بعدم جدية واشنطن بمساعيها لحل الأزمة السورية و مكافحة الإرهاب، فأمريكا لاتزال تناور عسكريًا و سياسيًا لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة في سورية، حتى لو أدت هذه المناورات إلى زج حلفاء لواشنطن كأنقرة في حفرة المواجهة مع موسكو، فهذا لم يعد يعني للأمريكيين الكثير.
المصدر / الوقت