التيار السلفي في تونس؛ مخاضات الواقع و الخيارات المطروحة
بعد إنتصار الثورة الشعبية في تونس التي عُرفت بثورة الحرية و الكرامة و الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في ديسمبر ٢٠١٠ برزت عدّة ظواهر إلى السطح منها ظهور التيار السلفي إلى الواجهة بعد إن كان شبه مخفي بسبب رفض الشارع التونسي لأفكاره التكفيرية المتطرفة من جهة، و القبضة الأمنية لنظام بن علي من جهة أخرى. و كان الكثير من السلفيين في تلك الفترة أمّا في السجون أو يقضون معظم أوقاتهم في المساجد و لا علاقة لهم بالسياسة لا من قريب و لا من بعيد .
ورغم ذلك يرى المراقبون أن سياسة بن علي لم تمنع من انتشار الفكر السلفي في البلاد في وقت كانت فيه حركة النهضة الاسلامية بزعامة راشد الغنوشي تعاني من الضغوط لمنعها من ممارسة نشاطها رغم التأييد الذي تحظى به في أوساط الشعب التونسي .
وبعد إنتصار الثورة و هروب بن علي و عائلته إلى السعودية إستغل السلفيون الفراغ الأمني لتوسيع نشاطهم بهدف تغيير النظام السياسي في البلد و مارسوا شتى أنواع العنف لتحقيق غاياتهم و منها إغتيال الشخصيات المعارضة كما حصل مع شكري بالعيد و محمد البراهمي .
وعند تسلم حركة النهضة مقاليد الأمور بين ٢٠١١ و ٢٠١٤ بالتحالف مع حزبي (المؤتمر من أجل الجمهورية) و (التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) و ذلك بعد فوزها بأغلبية غير مطلقة في المجلس الوطني التأسيسي، تهيأت الفرصة للتيار السلفي لمد نفوذه و تقوية علاقته مع هذه الحركة و ظهر ذلك بوضوح خلال إنتخابات أكتوبر ٢٠١١ .
وبعد الهجوم الذي إستهدف السفارة الأمريكية في تونس في سبتمبر ٢٠١٢ و إتهام التيار السلفي بالوقوف وراءه إزدادت الضغوط على حركة النهضة لفك ارتباطها مع هذا التيار الذي سحب بدوره تأييده للحركة خلال الإنتخابات البرلمانية عام ٢٠١٤ التي حصد فيها حزب النداء الذي يترأسه الباجي قائد السبسي غالبية الأصوات .
في أعقاب ذلك زاد الضغط على السلفيين من قبل الحكومة و زادت معه العمليات الإرهابية و من أبرزها إستهداف (متحف باردو) في مارس ٢٠١٥، و فندق (إمبريال مرحبا) في مدينة سوسة الساحلية شرقي البلاد والذي أدى إلى مقتل و جرح العشرات من السياح الأجانب. و قد أثرت هذه الهجمات بشكل كبير على قطاع السياحة الذي يعد من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد. كما أعلنت الحكومة التونسية حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وكثفت من إجراءاتها الأمنية لمواجهة هذا الخطر .
ويعتقد المراقبون أن العملية الإرهابية الأخيرة التي إستهدفت حافلة تقل أفراداً من الحرس الرئاسي التونسي و أدت إلى مقتل وجرح العديد منهم، و التي أضطرت الحكومة لإعادة حالة الطوارئ و منح القوات الأمنية صلاحيات إضافية قد وضعت السلفيين في مأزق حرج إلى جانب الرفض الشعبي المتزايد للنهج التكفيري لهذا التيار الذي شارك إلى جانب التنظيمات التكفيرية الأخرى وفي مقدمتها “داعش” في تنفيذ الكثير من العمليات الإرهابية في العديد من دول المنطقة لاسيما في العراق وسوريا .
من خلال هذه المعطيات يبدو أن حلقات الخناق بدأت تضيق شيئاً فشيئاً على السلفيين في تونس بسبب الرفض الشعبي لأفكارهم المتطرفة من جانب والإجراءات الأمنية المشددة التي إتخذتها الحكومة من جانب آخر لمنعهم من ارتكاب المزيد من الجرائم التي ألحقت أضراراً كبيرة بالشعب التونسي وبقطاع السياحة على وجه الخصوص الذي يمثل المصدر الرئيسي لتحريك عجلة الاقتصاد في البلاد. ولكن في نفس الوقت يخشى الكثير من المراقبين أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تقييد حركة التيار الاسلامي المعتدل المتمثل بحزب النهضة الذي يرفض بشدة النهج السلفي و يسعى لإقامة دولة مدنية تضمن الحريات العامة و تحترم حق الشعب بإنتخاب ممثليه و توفر له الحياة الآمنة و المستقرة و البعيدة عن العنف و التطرف بكل أنواعه و أشكاله .
المصدر / الوقت