بين الإستثمار و الغموض و إنعدام الثقة، هكذا تحولت قضية اللاجئين لورقةٍ سياسية!
على الرغم من أن أنقرة وصفت القمة التركية الأوروبية بالتاريخية، إلا أن الغموض اكتنفها الى جانب إنعدام الثقة بين الطرفين. فيما كان من الواضح محاولة الجميع إستثمار قضية اللاجئين. فتركيا التي اعتبرت القمة فرصةً لإعادة طرح إنضمام أنقرة للإتحاد الأوروبي، قوبلت بعدم الجدية الأوروبية فيما يخص ذلك. فكيف يمكن تبيين حقائق الأمور؟ و لماذا لا يمكن الثقة بتركيا، لا سيما فيما يخص قضية اللاجئين؟
انتهت القمة التي عُقدت بين تركيا و الإتحاد الأوروبي، فيما طُرحت العديد من الأسئلة حول النتائج. فالدول الأوروبية الساعية لحل مشكلة اللاجئين وجدت من الجغرافيا التركية الحل الأمثل لذلك، فيما يبدو أنها هدفت لنقل الأزمة من ساحتها الى ساحة أخرى، لتكون أنقرة. و لا يخفى على أحدٍ أن الطموح التركي يغلب على المصلحة في تحديد الأهداف و وضع السياسات التركية. و هو الأمر الذي تدل عليه حالة التخبط التي تعيشها تركيا لا سيما في علاقاتها الخارجية. وهنا لا بد من الإشارة الى حقيقة الأمور بين تركيا و الإتحاد الأوروبي، من خلال التالي:
– تعيش تركيا في أحلامها، أكثر من قدرتها على فهم واقع السياسة الخارجية. فوصفها للقمة بأنها تاريخية، ليس إلا وصفاً للتمنيات. بل إن كل ما حصلت عليه أنقرة، هو مساعداتٌ بقيمة ثلاثة مليارات، ما يزال الغموض يكتنف آلية تنفيذها.
– و فيما يدل على إنعدام الثقة بين الطرفين، ربط الإتحاد الأوروبي المساعدات الإقتصادية و الإنفتاح السياسي بما قد تحققه تركيا من نتائج عملية على صعيد ضبط الهجرة غير الشرعية. وبما تقدمه من ضمانات في كيفية صرف المساعدات المقدمة على اللاجئين السوريين.
– و لعل نقطة الخلاف بين الطرفين تتمثل بسعي تركيا لما هو أكبر من المساعدات المالية، أي بتسهيل حصول الأتراك على تأشيرات أوروبية، وهو الأمر الذي ربطه رئيس المفوضية الأوروبية، بمدى تعهد تركيا بأنها ستستقبل مجددا مهاجرين تسللوا الى الإتحاد انطلاقا من أراضيها.
وهنا فإنه من الواضح قيام الطرفين بإستغلال قضية اللاجئين لتحقيق أهداف و مصالح لا تمت بالمسألة الإنسانية بصلة. في وقت يسود الغموض و إنعدام الثقة العلاقة بين تركيا و الإتحاد الأوروبي. و لعل الواقع يمكن أن يُثبت خطر تولية الأتراك مسؤولية اللاجئين السوريين. وهنا بعض الأدلة التي يمكن أن تثبت ذلك:
– بتاريخ 09/08/2011 كشفت جريدة ايدنليك (aydinlik ) التركية في تقرير نشرته تحت عنوان “400 حالة اغتصاب و250 حاملاً”، عن حجم الإنتهاكات التي تُرتكب بحق النساء في المخيمات التي أقامتها السلطات التركية ضمن سيناريو مسبق لتهجير السوريين من المناطق الحدودية القريبة من تركيا. وهو الأمر الذي أحدث ضجةً كبيرةً حينها.
– في الماضي القريب و تحديداً في 9 تشرين الثاني 2015 قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته أن أكثر من 400 ألف طفل لاجئ سوري يعيشون في تركيا لا يذهبون إلى المدرسة. وهو ما يعني وجود مشاكل في ضمان حصول طلاب المدارس السوريين على فرص تعليم، كما ينص على ذلك القانون الدولي.
– في 23 تشرين الثاني المنصرم، اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تركيا بأنها تطرد منذ أشهر عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين الذين يحاولون دخولها في شكل قانوني، ما يجبرهم على محاولة الدخول من خلال مهربين . و قال العضو في المنظمة “غيري سيمسون” والذي جمع 51 شهادة من لاجئين سوريين، إن قيام تركيا بغلق الحدود يجبر نساء حوامل و أشخاصاً مسنين و مرضى على تحدي حرس الحدود للفرار، مضيفاً أن تركيا لا تملك الحق في طرد طالبي لجوء في منطقة حرب.
– أخيراً، فقد صرحت منظمة العفو الدولية أنّ “السلطات التركية ستطرد 30 لاجئاً سورياً ما يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي، ويشكل خطراً كبيراً على حياتهم. وبحسب صحيفة الغارديان، في عددها الصادر الجمعة 27 تشرين الثاني المنصرم، قالت مجموعة تدافع عن حقوق الإنسان أن قرابة 80 سورياً رُحلّوا إلى سوريا من مدينة ارزوروم التركية حيث كانوا محتجزين، ما يعتبر انتهاكاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي والذي ينص على منع الدول من ترحيل اللاجئين إلى مناطق النزاع.
إذن أنتجت القمة التركية الأوروبية مسألةً وحيدةً قد تكون مهمة وهي البدء بعمليات ضبط الهجرة غير الشرعية وذلك من خلال تحويل تركيا إلى مكان مشجع لاستقبال اللاجئين، مقابل حوافز مالية و سياسية كبيرة. لكن الأمور أكبر من قضية لاجئين، فالصراع السوري المعقد من جهة، والإختلاف الواضح في الأجندات الأوروبية و التركية حيال سوريا، قد يجعل من قضية اللاجئين ورقة سياسية يمكن أن تعاود الأطراف استخدامها لتحريك مآرب بعيدة عن القيم الإنسانية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق