أكراد سوريا.. الواقع السياسي والخيارات المطروحة
هيّأت الأزمة السورية التي إندلعت قبل نحو خمس سنوات فرصة استثنائية لأكراد هذا البلد لتشكيل كيانٍ سياسي وعسكري خاص بهم رغم أنهم لايمثلون أكثر من ١٠% من التعداد العام للسكان (حوالي مليوني نسمة من أصل أكثر من ٢٣ مليونًا هم عدد سكان سوريا).
وبفعل الإنتصارات المهمة التي حققها أكراد سوريا على التنظيمات الإرهابية لاسيما تنظيم “داعش” وما يسمى بـ “جبهة النصرة” في الكثير من المناطق وفي مقدمتها كوباني (عين العرب)، باتوا يشكلون قوة يحسب لها حساب على الصعيدين الداخلي والإقليمي وإلى حد ما على المستوى الدولي.
وقد أكسبت هذه الإنتصارات الأكراد قدرةً على إدارة وتنظيم شؤونهم لاسيما بين مقاطعات كوباني وعفرين والجزيرة رغم الصعوبات التي واجهتهم في الجانبين الأمني والاقتصادي. وسعى الأكراد خلال هذه الفترة لاعتماد نظامٍ سياسي يمهد لهم الطريق لإقامة حكم ذاتي في مناطقهم في شمال وشمال شرق سوريا.
وبعد دخول روسيا على خط الأزمة السورية ومشاركتها بشكل كبير في ضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية، حظي الأكراد باهتمام خاص من قبل الإدارة الأمريكية، وبدأت المنافسة بين موسكو وواشنطن تتبلور بشكل واضح لاستقطاب وحدات الحماية الشعبية الكردية التي أثبتت جدارتها في معركة كوباني ومن قبل في معارك رأس العين وجزعة وتل حميس ومعبر ربيعة لإدراكهما لدورها في رسم الخارطة السياسية للأكراد وتحديد مصيرهم في سوريا وعموم المنطقة رغم العقبات التي تواجههم بسبب تقاطع المصالح بين اللاعبين الدوليين والإقليميين.
ومن هذه العقبات عدم حصولهم حتى الآن على دعم دولي لإقامة حكم ذاتي في مناطقهم نتيجة الخلافات بين الأطراف المتصارعة في هذه المناطق من جهة، والتعقيدات التاريخية والجيوسياسية التي لازالت تحكم تحركات هذه الأطراف من جهة أخرى.
ويمكن القول إن أكراد سوريا لديهم القليل من المؤيدين لإقامة الحكم الذاتي والكثير من المعارضين وفي مقدمتم حكومة الرئيس بشار الأسد التي تعتقد أن هذا النوع من الحكم يتعارض كليًا مع السيادة الوطنية ويهيئ الأرضية لتقسيم البلاد.
إلى جانب ذلك تخشى تركيا من نجاح أي تجربة في إقامة حكم ذاتي للأكراد في سوريا لأنه حسب إعتقادها يشكل خطرًا على أمنها. فهي ترى في حزب الإتحاد الديمقراطي الذي يسعى للتفرد بالقرار الكردي السوري امتدادًا لحزب العمال الكردستاني لأن معظم قيادييه كانوا في السابق كوادر متقدمة في حزب العمال الذي يخطط أيضًا لإقامة حكم ذاتي في جنوب شرق تركيا.
ويعتقد المراقبون أن قدرة أكراد سوريا على إقامة حكم ذاتي تعتمد بدرجة كبيرة على مدى إتفاق أحزابهم بشأن هذه المسألة من جهة، والظروف الموضوعية التي تهيئ الأرضية لإنجاح هذا المشروع من جهة ثانية. أي بعبارة أخرى لايمكن أن تكون لأكراد سوريا قوة مؤثرة على المديين القريب والبعيد وعلى كافة المستويات الداخلية والإقليمية والدولية ما لم تتمكن أحزابهم المؤثرة من تحقيق الحد الأدنى من التوافق فيما بينها لتحقيق هذا الأمر.
ورغم الخلافات السياسية بين الأطراف الفاعلة في الوسط الكردي السوري، لازالت هذه الأطراف تعتقد بضرورة التغلب على هذه الخلافات والتنسيق فيما بينها إزاء القضايا المطروحة وفي طليعتها قضية الحكم الذاتي في المناطق التي تخضع لسيطرتها في شمال وشمال شرق البلاد. ومن العوامل الأخرى التي يعوّل عليها أكراد سوريا في تحقيق هذا التقارب الخطر المشترك الذي يهددهم من قبل الجماعات الإرهابية التي أثبتت التجارب أنها لاتتورع عن إرتكاب أي جريمة مهما كانت شنيعة لتحقيق مآربها في إطار مشروع جهنمي يهدف إلى تمزيق دول المنطقة والعبث بمقدراتها.
ويجب أن لانغفل هنا الدور الذي يمكن أن يلعبه أكراد العراق لاسيما الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني في رسم المصير السياسي لأكراد سوريا فيما يرتبط بإقامة الحكم الذاتي، خصوصاً وإن قيادة الإقليم تلوّح بين الحين والآخر بإعلان الانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد بسبب المشاكل المتعددة بين الجانبين لاسيما ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، وتحديداً مسألة تصدير النفط من الإقليم بعيداً عن موافقة الحكومة المركزية.
ومن الواضح أن إقليم كردستان العراق يسعى منذ مدة إلى لعب دور المدافع عن مصالح الأكراد في سوريا لتعزيز موقفه السياسي، خصوصاً بعد الإنتصارات التي حققتها قواته (البيشمركة) على الجماعات الإرهابية كما حصل مؤخراً في إقليم سنجار (شنكال) القريب من المناطق الكردية السورية. كما يسعى الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى تقاسم النفوذ في هذه المناطق بين قواته وقوات حزب الإتحاد الديمقراطي. ويتوقع المراقبون أن يحصل إحتدام وتنافس شديد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني للهيمنة على المناطق الكردية السورية في المستقبل.
من خلال هذه المعطيات يمكن التوصل إلى نتيجة مفادها أن مسألة الحكم الذاتي في المناطق الكردية السورية باتت تخضع لمعادلات معقدة وصعبة داخليًا وإقليميًا ودوليًا لايمكن أن تحسم بسهولة. وكلما إقتربت الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في الأزمة السورية من بعضها لإيجاد تسوية لهذه الأزمة، زادت معها الهوة بين الأحزاب الكردية السورية وطموحها لإقامة حكم ذاتي في مناطقهم، ما يؤدي بالتالي إلى إضعاف موقفهم السياسي وربما تلاشي التأييد النسبي الذي حصلوا عليه في مراحل سابقة وتحديدًا بعد إنتصارهم على الجماعات الإرهابية في كوباني، وهذا يعني الدخول في مسار طويل يكتنفه الكثير من الانعطافات، وما قد يترتب على ذلك من متطلبات سياسية وفقًا لخصوصية كل مرحلة . وعليه ينبغي القول إن ثمة تداعيات كثيرة تنتظر قضية الحكم الذاتي الكردي ترتبط بشكل وثيق بكيفية إعادة تشكيل المرجعيات السياسية والتحالفات والمواقف الداخلية والإقليمية والدولية إزاء هذه القضية.
المصدر / الوقت