التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

كيف يصبح الفرد داعشيًا؟ الأسباب و سبل المعالجة 

بعد تفاقم أزمة الإرهاب خلال السنوات الماضية و ما تمخض عنها من تداعيات خطرة، أُجريت الكثير من الدراسات لمعرفة أسباب هذه الظاهرة وسبل مواجهتها على المستويين الإقليمي و الدولي.

و برز باحثون كثيرون في هذا المجال في طليعتهم البروفيسور جون هورجان مدير مركز جامعة بنسلفانيا الدولي لدراسة الإرهاب و الذي يعتبر من أبرز علماء حقل علم النفس السياسي، خاصةً ما يرتبط بالجماعات الإرهابية. و يُعد كتابه “سيكولوجية الإرهاب” واحدًا من أهم الكتب في مجال التحليل النفسي للإرهابيين.

و ركّز هورجان في هذا الكتاب على إرهاب الجماعات المسلحة، و ميّز بين الجهود القديمة من أجل فهم “عقلية الإرهابي” و بين الجهود الحديثة التي تكشف عن حقائق مهمة عن التطور السيكولوجي لإنضمام الأفراد إلى الجماعات الإرهابية. و توصل إلى نتيجة فحواها أن دراسة سيكولوجية الإرهاب حقل غير متقدم، و أرجع ذلك إلى الذين يسعون إلى حلول سريعة وبسيطة لإشكالية الإرهاب، دون الأخذ بعين الاعتبار الإسهامات الأكاديمية و الإشكاليات التي ظهرت مؤخرًا في هذا المجال.

ويعتبر هورجان أن نقطة الانطلاق في دراسات الإرهاب تتمثل في الإجابة عن التساؤلات التالية: كيف ينخرط الأفراد في الإرهاب؟ وكيف يُناط بهم دور معين في التنظيمات الإرهابية؟ وكيف يتم تجنيدهم في هذه التنظيمات؟ وغيرها من الاسئلة. ويرى أن أهم مرحلتين في تطور سلوكيات الإرهابي تتعلقان بتكوين فكره و عقيدته المتطرفة لإعداده في الإنخراط السريع في العمليات الإرهابية. و يؤكد أن الإعتقاد بإمكانية علاج مشكلة الإرهاب من خلال برامج اجتثاث التطرف(Deradicalization Program) فقط أمر غير مجدٍ، ويحذر كذلك من تصعيد حملات السخرية بالجماعات الإرهابية عبر مواقع التواصل الإجتماعي، لأن ذلك -بحسب رأيه- يأتي بنتيجة عكسية. و يشير إلى مسئولية الحكومات الغربية عن انتشار الإرهاب، سواء نتيجة فشل سياسات مكافحة الإرهاب التي تتبعها هذه الحكومات، أو بسبب تولد الشعور بالانتقام لدى أقارب بعض الضحايا الذين تعرض ذووهم لغارات طائرات بدون طيار، كما حصل و يحصل في أفغانستان على سبيل المثال. و إكتشف هورجان أن الأفراد الأكثر قبولًا للإنضمام إلى صفوف الإرهابيين و الميل إلى التطرف يميلون إلى:

– الشعور بالغضب و العزلة عن الآخرين، أو الحرمان.
– الإعتقاد بأن مشاركتهم السياسية لن تمنحهم القدرة على إحداث تغيير حقيقي.
– التماهي مع من يتصورون أنهم ضحايا الظلم الإجتماعي الذي يدّعون محاربته.
– الشعور بالحاجة إلى القيام بفعل ما، بدلًا من الإكتفاء بالتحدث عن المشكلة.
– الإعتقاد بأن إنخراطهم في العنف ضد الآخرين ليس عملًا غير أخلاقي.
– وجود أصدقاء أو أقرباء يتعاطفون معهم.
– الإعتقاد أن الإنضمام إلى تنظيم ما سوف يمنحهم تعويضًا نفسيًّا و إجتماعيًّا، مثل روح المغامرة، و الرِفاقية، والشعور بالذات.

في هذا السياق قام علماء نفس آخرون بدراسة السمات الفردية للإرهابيين، بحثًا عن أدلة يمكن أن تفسر إستعدادهم للإنخراط في العنف، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في جميع أنحاء العالم. و توصلوا إلى أن هناك أربعة أنماط مميزة في العقلية الإرهابية بغض النظر عن الدافع، نشير اليها على النحو التالي:

1) يبدأ الطريق إلى الإرهاب بظهور شعور قوي للفرد بالاغتراب، وأنه ضحيّة، ليجد مبررات – من وجهه نظره – في ارتكاب العنف.
وعلى الرغم من إجماع الباحثين أنه لا يوجد لحظة محددة يتحول عندها الفرد إلى إرهابي، فإن وقوع الفرد ضحيّة يولد عنده الشعور بالانتقام؛ ما يدفعه إلى الإنضمام إلى الجماعات الإرهابية، التي قد يجدها تتبنى قضيته.
2) الحياة داخل الجماعة: فالسلوك الإرهابي يتطور بفعل الديناميكية الجماعية. وتفترض إحدى النظريات أن الأشخاص أثناء وجودهم في جماعات، يميلون إلى إتخاذ قرارات ذات مخاطر عالية، باعتبار أن المخاطرة مشتركة، فهي ليست مخيفة بالقدر الذي سيشعر به الفرد إذا ما قام بالمخاطرة بمفرده. فكلما أصبحت الجماعة متطرفة أكثر، أصبح الفرد متطرفًا أكثر، خاصةً عندما تقدم له الجماعة دعمًا ماديًّا ونفسيًّا وفكريًّا.
3) الترسيخ العقائدي بدون مبررات واضحة للأفعال الإجرامية التي يرتكبها التنظيم الإرهابي. وفي هذا المجال هناك مفارقة واضحة في عقلية الإرهابي؛ فإذا كان هدفه هو خلق عالم ينتصر فيه للأبرياء من جماعته، فكيف له أن يقتل أبرياء آخرين ليصل إلى هدفه؟! ولكي يخرج الإرهابي نفسه من ذلك التناقض يقنع نفسه بأنه لابدّ من التضحية بأبرياء آخرين لتحقيق هدفهم.
4) الإنخراط في الجرائم الإرهابية بدافع الانتقام، أو بدافع الضغط من قبل الجماعة، أو الدعم المادي الذي ستحصل عليه أسرة الإرهابي أو القيام بذلك من أجل رمز أو قائد، وغير ذلك.

وهنا لابدّ من إثارة هذين التساؤلين؛ الأول: ما السبيل إلى أن يتوقف الإرهابي عن الإرهاب، والثاني: كيف يمكن مساعدته للتحول إلى شخص طبيعي؟

للاجابة عن هذين التساؤلين حشد علماء النفس المزيد من البيانات الواقعية بشأن العوامل التي دفعت بعض الاشخاص إلى الإنخراط في الإرهاب، معربين في الوقت نفسه عن إعتقادهم بأن تحديد ذلك ليس مهمة يسيرة. ويرجع ذلك لسبب محدد، يتمثل في عدم إمكانية قبول الإرهابيين التطوع لإجراء أبحاث بشأنهم، كما أن دراسة أنشطتهم عن بُعد قد تؤدي إلى استنتاجات خاطئة.

ونظرًا لهذه التعقيدات، إتسم علم نفس الإرهاب بالطابع النظري وبتأثره بالآراء، أكثر منه علم موثوق، بحسب اعتراف الباحثين. إلاّ أن عددًا من علماء النفس يعتبرون إنه من المُفيد أن نتعامل مع الإرهاب وفقًا للآليات والمناهج السياسية والجماعية، بدلًا من الآليات الفردية، والتي يمكن أن تساعدنا في تفسير بعض جوانب الأعمال الإرهابية والسعي الحثيث لمنع الإرهاب.

و تقترح النتائج التي توصل إليها علماء النفس أن تهدئة مخاوف الناس، و التركيز على الملامح الإنسانية المُشتركة، أو توضيح الفارق بين الحلم الذي يسعى الإرهابي إلى تحقيقه، و بين حقيقة تورطه في الإرهاب، ربّما تمنع إرهابيًّا من تبني العنف و التطرف. و حاول هؤلاء الباحثون إستكشاف مدى فاعلية المبادرات التي تحدث في عدد من البلدان ووجدوا أنها تشترك في العناصر التالية:

1– العنصر الفكري: وذلك من خلال قيام علماء الدين بالتحاور مع المعتقلين حول تعاليم الدين الصحيحة بشأن العنف.
2– العنصر العاطفي: أي من خلال السعي لإفراغ غضب وإحتقان المُعتقلين وإحباطهم عن طريق إظهار إهتمام حقيقي بهم وبأسرهم.
3– العنصر الإجتماعي: أي التعامل مع حقيقة أن المُعتقلين قد يعودون إلى مجتمعات تعيد تأجيج معتقداتهم المتطرفة.

في الحقيقة لم تعُد فكرة إبعاد الإرهابيين عن ممارسة العنف، باستخدام الحوار السلمي حلمًا بعيد المنال، بل أصبحت هدفًا لعدد متزايد من برامج إجتثاث التطرف حول العالم، بحسب قول عالم النفس “آري كروجلانسكي”.

وبشأن تفسير الظاهرة الراهنة، الخاصة بمغادرة شباب من جنسيات أوروبية بلدانهم و الإنضمام إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، وجد علماء النفس أن هؤلاء تتملكهم رغبة في المغامرة، و لديهم إحساس بالحاجة للإنتماء إلى شيء مختلف، له خصوصيته غير المألوفة، و يعطي حياتهم طابعًا جديدًا. كما إن بعضهم يبحث عن الخلاص من نمط حياة وصل بهم إلى حافة الملل و تم شحنهم عبر الإنترنت، خصوصًا شبكات التواصل الإجتماعي في زمن العولمة و زمن القرية العالمية؛ و بالتالي أصبح هؤلاء ضحيّة للفكر الداعشي الذي يصطاد فرائسه من شتى البقاع.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق