غزو شمال العراق.. هذه المرة من قبل تركيا
ارتفعت نسبة الخلافات بين تركيا ودول الجوار خلال الاعوام الخمسة الماضية، لكن لم تكن هذه الخلافات في يوم من الايام، كما هي علیه الآن. حيث أن تركيا أصبحت تعاني من خلافات حادة مع مصر وسوريا وروسيا والعراق، وكذلك مشاكل اقل حدة مع إيران ولبنان، فضلا عن أن لتركيا مشاكل كثيرة مع دول اخري، مثل أرمينيا والیونان. وبدل أن تسعي تركيا الی حلحلة مشاكلها مع هذه الدول، التي صارت توثر سلبيا علی اقتصادها وأمنها الداخلي، بدأت توسع من نطاق دائرة خلافاتها مع دول الجوار خاصة روسيا وسوريا والعراق. حيث اعلنت تركيا إرسال قوات برية باتجاه العراق لاحتلال مدينة الموصل العراقية بحجة محاربة داعش في هذه المنطقة، دون أن تولي إهتماما لسيادة العراق والقانون الدولي. ومن الواضح جدا أنه سيكون لهذه التصرفات الخاطئة التركية تجاه دول المنطقة، تبعات غير ايجابية ليس علی تركيا فحسب، بل علی جميع دول الاقليم. إذا لماذا تريد تركيا إحتلال شمال العراق، رغم معارضة الحكومة المركزية العراقية؟
يری الكثير من المتابعين، أن إرسال قوات برية من قبل الحكومة التركية لإحتلال الموصل شمال العراق، من الممكن أن تسعی من خلاله تركيا لكي تتمخض عنه ثلاثة سيناريوهات مهمة يمكن الإشارة الیها علی النحو التالی:
السيناريو الاول ـ يمكن القول بان تركيا تهدف من خلال إحتلال الموصل الی سد الطريق أمام تقدم قوات الحشد الشعبي باتجاه الموصل، بعد أن اعلنت عن استعدادها للتوجه نحو الموصل، لتطهيره من تنظيم داعش الإرهابي. ومن الملفت جدا أن تركيا أرسلت قوات برية للموصل بعد تلقيها ضوء أخضر من قبل واشنطن، التي تشهر عدائها علانية لقوات الحشد الشعبي، باعتبارها جزاء من محور المقاومة، المعادي لسياسات واشنطن وتل أبيب في المنطقة. حيث أن واشنطن لا تريد أن يُهزم الإرهاب في العراق علی يد قوات الحشد الشعبي او الجيش العراقي، علی الاطلاق.
السيناريو الثاني ـ من المعروف جدا ودون الخوض بالتفاصيل، أن تركيا تعاونت في الكثير من المجالات مع داعش، خاصة في مجال شراء نفط سوريا والعراق من هذا التنظيم. وباتت تخشی تركيا الیوم من أن تؤدي عملية تحرير الموصل علی يد قوات الحشد الشعبي الی أسر الكثير من قيادات داعش، حيث أن هذه القيادات الداعشية من الوارد جداً أنها ستفضح أسرار تعاون النظام التركي مع داعش خلال الاعوام الماضية. ولهذا تريد تركيا من خلال إحتلالها للموصل، أن تعبّد الطريق أمام قيادات الجماعات الإرهابية خاصة داعش، حتی تفر من الموصل، للحيلولة دون أسرها من قبل القوات العراقية. لانه في حال اعترفت داعش بتعاون تركيا معها، فان ذلك سيكلّف أنقرة ثمنا باهضا، خاصة أننا سمعنا خلال الايام الماضية أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وعد بانه سيستقيل من منصبه إذا ما ثبت بان تركيا اشترت النفط من داعش في الوقت الراهن او خلال الاعوام الماضية.
السيناريو الثالث ـ بالاضافة الی ما تمت الإشارة الیه آنفا، هنالك من يعتقد بان تركيا تريد من خلال دخول الموصل، تشكيل قوة عسكرية مشتركة مع القوات الكردية التي تأتمر بأوامر مسعود البارزاني، لكي تستفيد منها في قمع حزب العمال الكردساتي المعارض لحكومة أنقرة. وهذا السيناريو ليس مستبعدا، وذلك بسبب أن البارزاني لم يلتزم باصول قومية أو عقائدية ثابتة تجاه دول الجوار بل حتی تجاه الاكراد في سوريا والعراق. ومن الوارد أن نشهد تعاون من قبل مسعود البارزاني مع تركيا لقمع الاكراد في تركيا، إذا ما حصل البارزاني علی دعم من قبل تركيا لمواجهة الحكومة المركزية في بغداد.
علاوة علی هذه القضايا، هنالك من يری بان تركيا تريد إحتلال الموصل لكي تستخدمه كورقة ضغط في تعاملاتها مع الحكومة العراقية، ولكي تجبر العراق علی الرضوخ أمام رغباتها وطموحاتها التوسعية، بالرغم من أنه ليس من المعلوم حتی الان، هل سيكتب النجاح للمشروع الإحتلالي التركي في العراق، ام أنه سيواجه فشلا ذريعا، علی غرار المشروع الإحتلالي الأمريكي، الذي مني بفشل ذريع في بلاد الرافدين.
واخيرا علی تركيا أن تعرف أن سياسة إرسال الجنود والدبابات الی العراق لاحتلال الموصل في ظل معارضة شرسة من قبل الشعب والحكومة العراقية، تعتبر سياسة خطيرة ومرفوضة من قبل دول الجوار والعراق، لانها تمثل إنتهاكها استفزازيا لسيادة وأمن العراق وتعرض وحدة وسلامة أراضيه الی التجزئة.
المصدر / الوقت