المكونات الأساسية للتفاعل بين الدين والدولة في السعودية
في الدول العربية، حتى تلك التي حكامها من النخب العلمانية في الغالب، فالدين هو مصدر الشرعية الأساسية، وفي هذه البلدان هنالك معادلةٌ معينة تحدّد لکل من المؤسسة الدينية والنخبة الحاكمة موقعاً ومجال عمل خاص، والذي عادةً ما لا یتدخل أيٌّ منهما في عمل الآخر. هذه العلاقة تختلف بالنسبة إلی السعودية، ففي هذا البلد، إن الحكومة لم توجد المؤسسة الدينية والعكس صحيح أيضاً، أي إن الحكومة نفسَها لا تعتبر وریث المؤسسة الدينية. ففي هذا البلد، تشاركت النخبة الدينية والنخبة السياسية في إنشاء الدولة، والتشابك بين الدين والسياسة في السعودية متأثرٌ بهذا الواقع، ولهذا السبب تری النخبة الدينية نفسَها محقةً في الاحتجاج علی العديد من التطورات الحديثة في المجتمع والنظام السياسي.
وعلى أساس التحالف السعودي – الوهابي، فإن النظام السعودي یربط وجود السعودية بالوهابية، ومسؤولية القوات المسلحة لیست حمایة البلاد فحسب، بل الدفاع عن الوهابية أيضاً. وبناءً علی نظام السعودية، فإن الحكومة تعمل علی أساس المبادئ الإسلامية والعدالة والمساواة. کما أن “هیئة کبار العلماء” هي واحدة من أهم اللجان الاستشارية التي تقدّم المشورة للملك ومجلس الوزراء، وهذه الهیئة هي المحدّد الرئيس للتوجهات والبرامج الدينية، وهي في قلب المؤسسة الدينية الوهابية.
العلاقة بين آل سعود وآل الشيخ وفي المجموع العلاقة بين الدين والدولة في السعودية، تعمل بتأثیر من عناصر أساسية، وهي العناصر التي لها دور أساسي في الحفاظ على استمراریة العلاقة المذکورة، وكل عنصر يوضح جانباً من هذه العلاقة. وإذا أردنا أن نقدّم استنتاجاً حول أساس تفاعل آل سعود مع النظام الديني الرسمي، فبإمکاننا أن نلخّص ثلاثة جوانب رئيسية تشکل العناصر الأساسية لهذه العلاقة کما يلي:
الجانب الذي یضفي الشرعية: في هذا السياق یستخدم آلُ سعود آلَ الشيخ من أجل الحفاظ على السلطة وتبرير أفعالهم، وإضفاء الشرعیة علی استمرار سلطتهم. وبعبارة أخرى فإن تقسيم السلطة على النحو الذي یرغب فيه آل سعود، یعني الطریقة التي تمکّنهم من استخدام النفوذ وتعطي الشرعية للخطاب الوهابي في المجتمع السعودي، وتشکّل الجانب المُشرعن للتفاعل بين الجانبين.
الجانب الذي یوفّر المنفعة: في هذا المجال، فإن آل الشيخ الذین غالباً ما یستخدمون نفوذهم في المجتمع کأداة ولصالح آل سعود، یحصلون في مقابل تقديم هذه الخدمات، علی حصةٍ من السلطة وکذلك العديد من المزايا في المجتمع.
فهم یسیطرون علی الشرطة الدينية (هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر) وعدد من الوزارات (وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الدينية)، وتقدّم هیئة کبار العلماء الاستشارة للملك، وتتمتع بنفوذ ملحوظ في مستويات عالية من النظام. لذلك فإن آل الشيخ یکتسبون فوائد كبيرة، في مقابل إضفاء الشرعية على التصرفات والسياسات السعودية.
الجانب الذي یوفّر الاحتكار: بهذا المعنى، فإن السلطة الدينية والسلطة السياسية اللتین تدیران السعودية بالتحالف والاتفاق بينهما، تستفیدان من قوة ونفوذ بعضهما البعض، من أجل احتكار السيطرة علی الدولة والمؤسسة الدينية. وبعبارة أخرى فإن آل الشيخ وعبر استخدام الخطاب الوهابي المقبول في المجتمع السعودي، یعتبرون أي معارضةٍ للنظام السعودي معارضةً لولي الأمر، وبالنتيجة مساویاً للكفر، وینهون المجتمع عنها، وبالتالي یلعبون دوراً أساسياً في الإضعاف والقضاء على المنافسين المحتملين لآل سعود.
كما یستخدم آل سعود أیضاً الأدوات والإمکانات القسرية والتحفیزیة لدیهم، لمواجهة أي منافس محلي (الوهابية) أو خارجي (غير الوهابية)، والذي يمكن أن یتحدى شرعية الخطاب الوهابي في المجتمع السعودي، ویحذفونه من الساحة. وهذا الأمر أدى إلی الاحتكار الديني والسياسي في يد آل الشيخ وآل سعود.
في الواقع، إن الجوانب الثلاثة المذكورة، تشکل أساس التفاعل بين المؤسسة الدينية والحکومة في السعودية. ولهذا السبب أیضاً، على الرغم من التطورات الواسعة والمتقلبة في العلاقة الدينية – السياسية في السعودية، فقد منعت هذه الجوانب الثلاثة انهیار هذه العلاقة بشکل کامل، وماتزال تمنع ذلك.
ویدرك آل سعود وآل الشيخ جيداً أنه في حال التخلي عن التزاماتهم المتبادلة، فسوف يواجهون مشاكل خطيرة من حيث الاحتكار، مشاكل ستخلق تحديات كبرى لآل سعود في الحصول علی الشرعية، ولآل الشيخ في الانتفاع والمصالح.
وتجدر الإشارة إلى أنه في العقود الماضية، ظهر ميل إلى إضعاف رجال الدين الوهابيين داخل النظام الحاكم، وهكذا ففي حين أن العلاقة بين المؤسسة الدينية والحكومة، كانت عاملاً رئيسياً في رسم السياسات العامة منذ فترة طويلة، لكنّ هذا الوضع يتغير تدريجياً.
بحيث أن مکانة الوهابية قد تنزّلت تدريجياً من الموقع الرئيسي لتحديد السياسات الحكومية، وأصبحت واحدة من التابعين والقضايا المتعلقة باقتدار الحکومة، وغالباً ما تستخدم کأداةٍ لتحقیق المصالح.
وفيما یتعلق بدور الدين في المجتمع والسياسة في السعودية، فإن النظر إلی نوع العلاقة بین الحكومة والمؤسسة الدينية، هو في محور سلطة ونفوذ علماء الوهابية، بحیث أن تطور هذه العلاقة، أدى إلى ظهور الاتجاهات الوهابية الجديدة، وخلق ثغرات فيها خلال العقود الأخيرة.
ففي الظروف السياسية الراهنة، لا یستطیع أي حاكم سعودي التفكير في أي تغيير سياسي كبير، دون الأخذ بعین الاعتبار رد فعل المؤسسات الدينية. والشخصيات الدينية الرسمية وغير الرسمية التي تقدّم الخطاب السائد في المدارس والجامعات والمساجد والإذاعة والتلفزيون، یسیطر علیهم النظام الحاکم. ولا یستطیع لا الإصلاحيون الليبراليون ولا الإسلاميون المعتدلون ولا فئة التكنوقراطیین الدارسین في الغرب، لا أحد منهم یستطیع أن یتجاوز هذا الأمر، لجذب الجماهير واکتساب النفوذ وتنسيق وسائل الاتصالات.
ولهذا السبب فإن السعوديين ومن أجل إیقاف نمو وتأثير الجماعات الدينية، قاموا بتنفیذ إصلاحات داخلية مختلفة بین الناس ولا سيما من حيث الرفاهية، ویحاولون في الوقت نفسه الحفاظ على المظهر الديني، ومن خلال الاستفادة من الحرمين الشريفين، والذين يجذبان كل عام عدداً كبيراً من مسلمي العالم، أطلقوا حملةً واسعةً لتطوير الحرمين وحماية الأماكن وزیادة شرعيتهم ونفوذهم.
المصدر / الوقت