مصر: هل ينتفض الشارع المصري من جديد ؟!
أسدل الستار على المرحلة ما قبل الأخيرة من الانتخابية البرلمانية في مصر عقب انتهاء الفرز من كل اللجان، بانتظار آخر مراحلها للدوائر الأربع المؤجلة في ثلاث محافظات مخصص لها ١٣ مقعداً، و قد أعلنت «اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية»، في مصر، أن عدد من فازوا في مرحلتي الانتخابات الأولى و الثانية هو ٥٥٥ نائباً، بالإضافة إلى ١٣ نائباً في الدوائر الموقوفة ليصبح عدد نواب المجلس بعد تعيين رئيس الجمهورية ٥% من إجمالي المجلس ٥٩٦ نائباً بينهم ٣١٦ نائباً من المستقلين بنسبة ٥٦.٩%، و الأحزاب ٢٣٩ بنسبة ٤٣.١%. وذكرت اللجنة أن نسبة المشاركة الإجمالية في الانتخابات كانت ٢٨.٣%، و واجهت هذه الانتخابات إقبالاً أقل بكثير من انتخابات برلمان ٢٠١١ الذي فازت بها جماعة «الإخوان المسلمين» وحزب «النور» السلفي، فنسبة التصويت لم تتجاوز ٢٨.٣% برغم الحشد الإعلامي و التحركات الحكومية لتسهيل عملية التصويت، و هي نسبة أقل من نسبة التصويت في انتخابات ٢٠١١ التي سجلت ٦٢.١ %. .
بنائاً على ذلك ما هي أسباب الاقبال الضعيف على الانتخابات المصرية؟ و هل سيكون لدى النواب الجدد القدرة على المواجهة و الصدام، أم سيعود برلمان «موافقون» كما كان خلال الأنظمة التي سبقت «ثورة ٢٥ يناير»؟ و هل سیاسة “حزب الأغلبیة الحاکم علی البرلمان” ستنجح أم سینتفض الشارع مثلما انتفض ضد الحزب الوطني المنحل في «ثورة ٢٥ يناير»؟
نتائج الانتخابات
بشأن خريطة الفائزين، فقد كان لقائمة «في حب مصر» المدعومة من الرئيس السيسي نصيب الاسد من المقاعد البرلمانية فقد حصدت القائمة ١٢٠ مقعدا علماً انها كانت تضم مرشحين من “الحزب الوطني” المنحل في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك بتهم الفساد. في حين توزعت المقاعد المتبقية على الأحزاب الليبرالية، فقد حصد حزب “المصريين الأحرار” ٦٥ مقعدا، دعمهم رجل الأعمال نجيب ساويرس، يليه “مستقبل وطن” بـ٤٨ مقعدا، و هو الذي أسسته مجموعة من رجال أعمال النظام السابق. أما «الوفد»، أقدم حزب ليبرالي، ففاز بـ٣٥ مقعداً. أما أسهم الإسلام السياسي فانخفضت بحصول حزب «النور» السلفي، على ١١ مقعداً فقط، وهي هزيمة ساحقة ستستمر تداعيتها لسنوات مقبلة .
في المقابل، حصل ١٥ حزباً حديث النشأة ــ بعد «ثورة ٢٥ يناير» على ٧١ مقعداً، ومع حصر سريع ـ طبقاً للمؤشرات التي أسفرت عنها نتائج اللجان الفرعية للانتخابات ـ يتضح من انتماءات الفائزين أن «الحزب الوطني» المنحل عاد بقوة مع ٦٤ مقعداً لنوابه و أعضائه السابقين، في البرلمان الجديد، فضلاً عن الفلول الذين خاضوا الانتخابات تحت لواء عدد من الأحزاب .
و لم تغب الطائفية عن الانتخابات في مصر خاصة في المرحلة الثانية، حیث دفعت المصريين في جولة الإعادة إلى النزول، ليصوت المسلم للمسلم في حال وجود منافس له قبطي، والعكس بالعكس. وأدى دعم الكنيسة إلى نجاح ٣٦ قبطياً في البرلمان المصري، و هو الرقم الأكبر في تاريخه.
و اللافت في الانتخابات المصرية حضور المرأة في الانتخابات حيث سجلت حضوراً قوياً ، وكانت صاحبة التمثيل الأعلى في المجلس الجديد على مدار الحياة النيابية المصرية، فقد حصدت السيدات ٨٥ مقعداً.
و الجدير بالذكر أنه و لأول مرة يفوز بعض المرشحين بأصوت قليل و هذا يظهر بشكل واضح عدم الاهتمام بالانتخابات من قبل الشعب.
أسباب الاقبال الضعيف
عزا البعض الاقبال الضعيف على الانتخابات الى أسباب عدة و التي كانت أهمها مقاطعة الشباب المصري للانتخابات لاعتقادهم أن الثورة قد سرقت منهم مرتين، الاولى بعد زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، و المرة الثانية بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، فبنظر هؤلاء الشباب و بعض المحللين ضعف المشارکة فی الانتخابات کان نتیجة انخفاض نجاح حكومة السيسي في حل المشاكل الأساسية للناس، و الجمود السياسي في مصر بسبب سياسات قمع الإخوان، و التیارات المستقلة التي کان بعضها في صفوف العسکریین فترة الانقلاب علی محمد مرسي. ویضاف إلی ذلك فتح الباب أمام تدفق أعداد كبيرة من الرأسماليين و سياسيي زمن مبارك، و السماح بتشكيل الأحزاب و الجبهات السياسية المؤيدة للحكومة و الذي تجلى في جبهة “في حب مصر”، و حصولهم علی أغلبية المقاعد في البرلمان.
حتى أن حزب النور السلفي الذي یتلقی الدعم المالي والسياسي الواسع النطاق من السعودية، و الذي لعب دوراً رئيسياً في الانقلاب ضد الإخوان المسلمین، لم یستطع تحقیق مكانة ملحوظة له. ولعل النقطة الإيجابية الوحیدة في هذه الانتخابات، هي إبعاد هذا الحزب عن العملية السياسية في مصر.
اذا في الوضع الراهن استطاع نظام السيسي عبر هندسة الانتخابات، تحویل البرلمان إلی أداة بیده، و يعتبر المحللون السياسيون أن هذا البرلمان ليس له القدرة على الصمود لأنه فاقدٌ للشرعية و لكن كما یؤكد نخبة المجتمع المصري فإن استمرار هذا الاتجاه سوف ینعکس سلباً علیه تماماً. أمر المهم في هذا الصدد، هو أن النظام المصري ومن خلال اعتماد النهج العسكري – الأمني داخل مصر، و بالنظر إلی ممارسة القمع الواسع النطاق، استطاع بطريقة أو بأخرى إسكاتَ صوت كل التيارات السياسية و المدعين، و في خارج مصر أیضاً وجنباً إلى جنب أصدقائه، فلا یسمع أي صوت معارض تقریباً.
یعتبر المحللون أن الإعلان عن تشكيل ائتلاف برلماني داعم “بشكل تام”، للرئيس عبد الفتاح السيسي، “محاولة لاستنساخ حزب أغلبية حاكم” مثل حزب الوطنی المنحل.
ومع ذلك و بالنظر إلی معرفة الشعب المصري و خصوصاً تجربة الشباب المحبط من الثورة ضد نظام مبارك، فإن استمرار هذه الحالة ستجلب عاجلاً أو آجلاً لهيب الغضب الثوري للشعب، وفي هذه الحالة يجب علی الرئيس السيسي أن یهتمّ في أسرع ما یمکن، بنصائح الخبراء السياسيین المصریین، فيما یتعلق بمراجعة سياساته الداخلیة.
المصدر / الوقت