تركيا و سياساتها المتناقضة
يمكن لمن يراقب المواقف و السياسات الخارجية التركية ازاء التطورات الجارية في دول المنطقة و الثورات الشعبية ان يشاهد بوضوح تناقضات كثيرة، فتركيا تارة تختار الصمت وتارة اخرى عدم الاكتراث و في بعض الاحيان التدخل المباشر و كأن الاتراك يقيسون كل شيء حسب مصالحهم الذاتية.
واذا اردنا استعراض هذه المواقف التركية المتناقضة يمكننا ان نشير الى ما فعله الاتراك ازاء الاحداث التي جرت في تونس و ليبيا و مصر واليمن و البحرين وسوريا.
تونس
اختار الاتراك الصمت في بداية اندلاع الثورة التونسية بسبب مصالحهم الاقتصادية لأن تركيا التي تعتبر من الدول التجارية الكبيرة تفكر قبل كل شيء بزيادة حجم صادراتها و استثماراتها و لذلك رغب الاتراك في الحفاظ على الاوضاع كما هي و لم يشجعوا التغيير الديمقراطي لكن بعد حدوث هذا التغيير اصبح الاتراك يتحدثون عن ضرورة سير تونس نحو الديمقراطية و قد قام اردوغان بزيارة مصر و ليبيا و تونس في عام 2011 و على اثر ذلك اعلن زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي انه سيتبع النموذج التركي في الحكم.
ليبيا
تسبب وجود علاقات اقتصادية و تجارية واسعة بين تركيا و ليبيا و كذلك وجود استثمارات تركية كبيرة في سوريا بأن لايبدي الاتراك اي رغبة في تغيير نظام الحكم في ليبيا خاصة اذا علمنا ان تركيا كانت لديها 25 الف عامل في ليبيا لكن بعد سقوط نظام القذافي تغيرت السياسة التركية و اختار الاتراك التقرب من المجلس الانتقالي في ليبيا و صدر اول موقف تركي ازاء الاحداث الليبية في 4 يوليو عام 2011 وزار وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو مدينة بنغازي و قال ان انقرة تدعم مطالب الشعب الليبي و وحدة اراضي ليبيا كما دعمت تركيا ليبيا بالاموال وقدمت 300 مليون دولار الى المجلس الوطني الانتقالي.
مصر
عند اندلاع الثورة المصرية دعمت تركيا المتظاهرين ضد نظام حسني مبارك وكان لهذا الدعم عدة اسباب أهمها وجود التنافس الاستراتيجي بين البلدين في عهد حسني مبارك وصغر حجم العلاقات التجارية بين البلدين و عدم وجود استثمارات تركية كبيرة في مصر و التقارب الموجود بين افكار الاخوان المسلمين في مصر و افكار قادة حزب العدالة و التنمية التركي، و قد طالب اردوغان حسني مبارك بالاستقالة وزار الرئيس التركي عبدالله غول تركيا بعد سقوط مبارك كاول رئيس اجنبي يدخل مصر في العهد الجديد وسافر اردوغان الى القاهرة في شهر سبتمبر 2011.
وقد ادى انتخاب محمد مرسي كرئيس لمصر الى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع تركيا و تشابه المواقف التركية و المصرية ازاء تطورات المنطقة لكن وقوع الانقلاب العسكري في مصر و مجيء عبدالفتاح السيسي الى الحكم ادى الى تغيير الموقف التركي و اصبح الاتراك يدينون الانقلاب العسكري بشدة و قد تضاءل النفوذ التركي في مصر بشكل كبير و ستكون تركيا هي الخاسرة من قطع العلاقات التجارية مع مصر لأن ارباحها كانت اكبر من مصر بكثير.
اليمن
قبل بدء العدوان السعودي على اليمن كانت تركيا تريد ان تكون وسيطا بين حركة انصارالله و الحكومة اليمنية في عام 2010 و عند اندلاع الثورة اليمنية وقف الاتراك مع نظام علي عبدالله صالح و دول مجلس التعاون الخليجي و كانت الدوافع مذهبية و طائفية كما سعى الاتراك الى الحد من النفوذ الايراني و هكذا بدا واضحا ان تركيا هي ضد الثورات الشعبية تماما عكس ما تدعيه.
البحرين
مع اندلاع الثورة الشعبية في البحرين ظهر الارتباك التركي مرة اخرى فالاتراك لهم مصالح اقتصادية كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي وقد اعلنوا انهم يحترمون الهواجس الامنية لدول مجلس التعاون كما لم يرغب الاتراك في زيادة النفوذ الايراني في الضفة الجنوبية من الخليج الفارسي وبادر الاتراك الى الاتصال بالمرجع آية الله السيد علي السيستاني للتخفيف من الاضطرابات وسعى اردوغان الى لعب دور سياسي لتخفيف حدة التوتر في البحرين لكن دول مجلس التعاون تجاهلت مساعي اردوغان وبادرت الى قمع الثورة البحرينية بالحديد والنار وارسلت السعودية والامارت قواتها الى البحرين من اجل ذلك.
سوريا
لقد اثبتت الازمة السورية ان تركيا لاتمتلك القدرة على حسم الامور في المنطقة لانها عجزت عن احداث تغييرات اساسية في سوريا، ان الاتراك حاولوا استخدام نفوذهم الاقليمي و الدولي لانهاء الازمة السورية لكنهم لم يستطيعوا كسب الدعم الامريكي و الاوروبي بشكل كامل، و من جهة اخرى ظهر التناقض في السياسات التركية مرة اخرى لان أنقرة التي اعلنت انها تقف ضد بشار الاسد و ضد تنظيم داعش بادرت الى دعم داعش في الخفاء.
ان الاتراك مازالوا يحاولون القيام بخطوات كبيرة في الملف السوري و يسعون الى جر الامريكيين الى المعركة بشتى الوسائل و الذرائع مثل الاسلحة الكيميائية السورية و قضية التدخل الاسرائيلي في المعارك، وفي الحقيقة يمكن القول ان الازمة السورية تمثل ذروة التناقضات التركية ازاء الاحداث الجارية في المنطقة.
المصدر / الوقت