إنتهی زمن الإمبراطوريات و علی تركيا الإنسحاب من «الموصل»
رغم أنه كان من المفترض علی السيد رجب طيب اردوغان أن يقلل من سياسته العدائية تجاه جيرانه، خاصة سوريا و العراق، بعد فوز حزبه في الإنتخابات البرلمانيه الاخيرة، بنسبة ضئيلة علی أحزاب المعارضة التركية، مما يعكس ذلك هشاشة مكانة حزب العدالة و التنمية في تركيا، و الذي ينتمي الیه اردوغان؛ لكن رغم كل هذا الوهن الذي اصاب حزب العدالة خلال الفترة الاخيرة، عاد اردوغان مرة اخری من جديد الی مغامراته السابقة، حيث بعد أيام معدودة من اسقاط القاذفة الروسية من قبل الجيش التركي، إحتلت القوات التركية شمال العراق. إذن ما هي خطورة غزو شمال العراق علی أمن و استقرار المنطقة و هذه الدولة؟.
وفي سياق استمرار مسلسل المغامرات التركية، دخلت بضع عشرات من الدبابات التركية وأكثر من ١٢٠٠ جندي تركي، مدينة الموصل الواقعة شمال العراق، خلال الايام الماضية. حيث سعت تركيا الی تظليل رأي العالم الدولي من خلال ادعاءها بان الأمر جاء بعد طلب عراقي، لتبرير انتهاكها السافر لسيادة و وحدة العراق. لكن هذه الإدعاءات التركية لم يمضی علیها وقت طويل، حتی نفتها الحكومة العراقية جملة و تفصيلا. و طالبا رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء العراقي، تركيا بسحب قواتها العسكرية من شمال العراق علی الفور. وفي سياق تفنيد الإدعاءات التركية بأن العراق هو من طلب منها ارسال قواتها الی الموصل، قال حيدر العبادي: «نتحدى تركيا بإبراز أي دليل حول علمنا أو موافقتنا، و نعد هذا الأمر تجاوزا على السيادة العراقية، وعلیها أن تسحب هذه القوات فوراً».
و ليس فؤاد معصوم و حيدر العبادي، لوحدهما من طالب تركيا بسحب قواتها فورا من شمال العراق، بل أن هذا الانتهاك السافر من قبل تركيا، أغضب الكثير من العراقيين. فی هذا المجال هدد هادي العامري، رئيس منظمة بدر العراقية، الاتراك بلهجة قوية مخاطبا زعماء تركيا: «انكم لستم باقوى من الاميركان الذين خرجوا تحت الضغط و دباباتكم ستدمر على رؤوسكم في حال عدم اخراجها من العراق». لا شك أن العراقيين يعرفون جيدا أن تركيا تريد إشغال و الهاء الجيش العراقي بقضايا هامشية من خلال غزو شمال العراق، ليتسنی بعد ذلك لداعش أن تتنفس الصعداء، بعد الضربات الموجعة التي لحقت بها علی ید القوات العراقية والروسية.
تركيا الیوم متهمة بمساعدة داعش في بيع النفط الذي تنهبه من الآبار العراقية و السورية، لا بل أن الرئيس التركي نفسه و عائلته ايضا متهمون بالاتجار مع هذا التنظيم الإرهابي في بيع البترول. لا شك إذا ما ثبتت هذه التهم و الوثائق حولها كما تقول العديد من المصادر، فان ذلك سيجعل من الحكومة التركية الداعم الأول للإرهاب في العالم. و هذا ليس فقط سيضر بسمعة الحكومة العراقية، بل سيعرض الكثير من المسؤولين الأتراك الی المحاسبة القانونية الدولية. لذا ليس من صالح تركيا أن تبقي قواتها في الموصل، مادام هناك الكثير من يتهمها بأنها أرسلت قواتها الی هذه المنطقة لتمكين داعش من إيصال سرقاتها النفطية الی تركيا، لبيعها علی تجار النفط، داخل تركيا و في الاسواق الدولية من خلال المؤانیء التركية.
العراق الیوم لا يعاني من عزلة دولية كما كان في تسعينات القرن المنصرم بسبب مغامرات و جرائم الدكتاتور السابق، صدام حسين ضد شعوب و دول المنطقة، بل أن للعراق الیوم حلفاء اقليميين و دوليين لا يسمحون لكي تكون بغداد لقمة سائقة لمن له أطماع بأرض العراق. روسيا و إيران يأتيان في رأس هؤلاء الحلفاء، حيث زودتا طهران و مسكو، العراق طيلة الاعوام الماضية بكل ما يحتاجه من سلاح لمحاربة الإرهاب، في وقت امتنعت فيه واشنطن عن تنفيذ التزاماتها التسليحية تجاه بغداد، بهدف الضغط علی العراق من خلال إنتشار المجموعات الإرهابية، خاصة داعش. الجامعة العربية التي طالما نجدها بعيدة عن هموم الشارع العربي، دخلت هذه المرة و بعد غزو شمال العراق، علی الخط، حيث ادان امينها العام نبيل العربي، التدخل العسكري التركي في شمال العراق، معتبرا اياه بانه تدخل «سافر»، و أكد أن هذا التدخل التركي في اراضي دولة عربية، يتعارض مع جميع المواثيق الدولية و قرارات الامم المتحدة.
واخيرا لابد علی تركيا أن تدعم الحكومة العراقية، لتعزيز إمكانياتها بهدف مواجهة خطر داعش الداهم، لا أن تتعامل مع حكومة اقليم كردستان او مع شخصيات معارضة للحكومة العراقية مثل أثيل النجيفي و مسعود البارزاني الذي يتصيد الفرص لتوسيع نطاق حكومته علی حساب وحدة و مصالح الشعب العراقي. إذن لابد علی أنقرة أن تسحب قواتها علی الفور من شمال العراق، و أن لا تكررها مرة اخری، لأنه في حال صدرت اي اطماع من قبل الاتراك في الاستحواذ علی الموصل، او اي نقطة اخری من تراب العراق، فان ذلک من المحتمل أن يدخل المنطقة بحرب، یعانی عنها الجمیع.
المصدر / الوقت