ماذا وراء مؤتمر الرياض؟
لا زال النظام الحاكم في السعودية يعمل على منهجية تمويل الفكر التدميري سراً و رعايته اعلامياً و سياسياً علناً، آخر فصول اشكال الرعاية هذه هو دعوة النظام لأشخاص ممثلة عن جماعات الفكر التدميرى التي انتشرت على الأراضي السورية، حيث اعلنت وزارة الخارجية للنظام السعودي الحاكم عن دعوتها لهذه الجماعات في مؤتمر من المقرر عقده في الثامن من بداية الشهر الميلادي في الرياض على أن يستمر حتى العاشر منه، هذه الدعوة و التحرك من قبل النظام السعودي الحاكم تأتي في ظل ظروف استثنائية تشهدها المنطقة، و تعكس جملة من الدلالات و الوقائع.
أولاً: يأتي هذا الإجتماع تثبيتاً لمنهج النظام السعودي بدعم جماعات الفكر التدميري، و هو يأتي بدعم و غطاء أمريكي واضح باعتباره متناسب مع المنهجية الأمريكية في المنطقة، هذا الإجتماع يعد مخالفة صريحة و واضحة للنصوص المتفق عليها دولياً، إذ لا مجال للشك أن أغلب ممثلي الجماعات المدعوة مصنفة على لائحة الإرهاب عالمياً، و هو دلالة على أن السعودية و من ورائها أمريكا لا زالتا مستمرتين بدعم خيار الفوضى في سورية فضلاً عن غيرها من بلدان الشرق الأوسط.
ثانياً: يأتي هذا الإجتماع في أجواء من التفكك و الصراع بين هذه الجماعات، خاصة أن موعد مفاوضات فيينا المزمع عقده مطلع الشهر المقبل يعد عاملاً اساسيا و دافعاً لتحرك النظام السعودي لوضع شبه صيغة مشتركة، خاصة و أن الضغوط الدولية بضرورة وضح حد لتحرك جماعات الفكر التدميري من جهة و القلق الذي تشهده الدول الداعمة لهذه الجماعات، كلها عوامل مؤثرة دفعة ضرورة تحرك سعودي لتعزيز وضع هذه الجماعات ولو وهمي اعلامي قبيل مفاوضات فيينا. يضاف إلى ذلك التحرك الروسي الأخير و الذي لا شك أن له تأثير فاعل و مساهم في اضعاف هذه الجماعات.
ثالثاً: الوضع الصعب الذي يعاني منه النظام السعودي الحاكم و الذي لا شك أحدث شعور بالقلق و الخوف لدى العائلة الحاكمة، و عليه يذهب النظام الحاكم إلى الإستفادة من أوراق القوة التي يملكها و التي تشكل فيه جماعات الفكر التدميري واحدة منها. و عليه عمل خلال الأشهر القليلة الماضية على حشد أكبر عدد ممكن علماً أن بعض الجماعات المدعوة هي في الحقيقة لا وجود لها أو لم يعد لها وجود على الساحة السورية. هذا و لم يكن بالبعيد جهود السعودية لإستضافة اجتماع دول أمريكا اللاتينية و بعض الأنظمة العربية، إلى انكشاف بعض الوثائق السرية و البرقيات المرسلة إلى بعض الأعضاء في الأمم المتحدة لإبراز السعودية كمرشح أساسي لعضوية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
لا شك أن هذا المؤتمر تخييم عليه خلافات كبيرة خاصة وفي ظل مقاطعة بعض الجماعات له، مضافاً إلى دعوة بعضها دون البعض الأخر والذي طرح علامة تساؤل كبيرة لدى بعض هذه الجماعات حول السبب من وراء عدم توجيه الدعوة الى بعض الأطرف و توجيهها الى أطراف أخرى و بالتالي، كيف سيؤثر ذلك على نتائج المؤتمر الذي تأمله الرياض؟ كما أن الإنسحابات التي يشهدها الأعضاء المدعوين إلى المؤتمر منه تطرح تساؤلاً، فقد أعلن هيثم منّاع، انسحابه من مؤتمر الرياض وقال انه موجود حالياً في جنيف، و لم يغادر الى الرياض، و اضاف بأنه اعاد تذكرة الطائرة الى القنصل السعودي مرفوقة بستة كتب من اصدارات المركز السويدي لحقوق الإنسان الذي يرأسه. وترددت انباء عن احتمال حدوث انسحابات اخرى لشخصيات معارضة من المؤتمر لأسباب متعددة. و یمکننا القول بأن مؤتمر الرياض فشل قبل أن يبدأ مع غیاب شخصيات سورية وازنة من نوع قدري جميل و هيثم مناع. فبمجرد أن فكرت الأطراف المهمّشة في مؤتمر الرياض و المستبعدة علنا لوائح المشاركين فيه، بعقد مؤتمر في الحسكة، موازٍ ومتزامنٍ مع مؤتمر الرياض، فمعنى ذلك، أن حكاية انقسام المعارضة وتمزقها مستمرة و الطرف الوحید الذی یصلح لإعادة الامن للمجتمع السوری هو النظام بقیادة بشار الاسد.
أما بخصوص الدعاية التي يركزها الإعلام الغربي و بعض الأنظمة العربية من أن مؤتمر الرياض يهدف إلى توحيد المعارضة فهو في الحقيقة أكثر الأمور بعداً و واقعية، فمنذ أن بدأ التحرك الغربي و بعض الأنظمة الغربية لإنشاء جماعات الفكر التدميري، فقد كان من ضمن الأمور التي تم التركيز عليها هو تعدد هذه الجماعات من جهة و زرع الخلافات داخلها من جهة أخرى، و الهدف من وراء ذلك كان مرتكزاً على ضمان مخطط التفتيت و التقسيم لجغرافيا المنطقة من جهة و عدم الإفساح لهذه الجماعات ببلوغها ذروة القوة لضمان استمرارية القتال و اضعاف الدولة السورية من جهة أخرى.
المصدر / الوقت