ماذا وراء التوغل التركي داخل الأراضي العراقية؟
لا شك أن التدخل العسكري التركي داخل الأراضي العراقية ومع تجاوز التنسيق مع القرار العراقي هو خلاف للمعلن من أن الهدف منه محاربة جماعات الفكر التدميري وتحرير مدينة الموصل، فلم يعد خافياً أن دولة أردوغان رقم أول وأساسي في إيجاد وخلق هذه الجماعات، بالإضافة إلى فتحها لحدودها أمام الجماعات على مدى أربع سنوات خلت. فأين تركيا من كوباني التي ما كانت الجماعات لتسيطر عليها لولا دعم أردوغان بل والمخطط الأردوغاني في تلك المنطقة، وها هي الجماعات لا زالت تقبع في مدينة جرابلس، الواقعة على الحدود السورية التركية، وتركيا مرتاحة للأمر ولا يزعجها بشيء. وعندما حاول الأكراد التقدم الى المدينة من الشرق لإخراج الجماعات منها، هددت تركيا بالتدخل العسكري المباشر لصد الأكراد وحماية داعش. والآن تصر تركيا على تمثيل جماعات الفكر التدميري في مؤتمر الرياض، وترفض أن يمثل الأكراد فيه، فكيف يفسر هذا التناقض؟ تدخل تركيا العسكري هذا ليس الأول من نوعه، فشواهد السنوات الأخيرة كثيرة على ذلك، لكن السؤال المطروح لماذا الموصل هذه المرة؟
المصدر / الوقت
أولاً: الدافع الأول والرئيسي وراء التحرك في المنطقة عموما وسوريا والعراق خصوصاً يتمثل في الجنوح الأردوغاني لتحقيق أمرين، الأول أن أردوغان ونظامه ينظر إلى المخطط الأمريكي التقسيمي للمنطقة أمراً نافذاً مع الأيام، ولهذا يتحرك أردوغان في الإطار الذي يحافظ على تواجده وتدخله في هذا المخطط بغية الإستفادة منه لاحقاً وضمان تحصيل حصته منه، في المقلب الآخر يرى أردوغان أن أمريكا تعمل على الإستفادة من الملف الكردي لما يحقق جواً مضطرباً من جهة وورقة ضغط على الدول التي يتواجدون عليها، ولهذا يأتي تحرك أردوغان ونظامه لرسم معادلة تطيح بالتطلعات الكردية من جهة وللحفاظ على إمكانيتها الإستفادة من كردستان العراق حيث النفط والموارد فيها من جهة أخرى.
ثانياً: يريد أردوغان أن يقطع الطريق على حزب العمال الكردستاني الذي حقق وجوده الملموس في مناطق عديدة من جنوب كردستان وتحديداً منطقة شنكال خطراً على وجود جماعات الفكر التدميري، هذا الخطر يرى فيه أردوغان انحصاراً لدوره على الساحة العراقية والذي تعول فيه على تلك الجماعات، مضافاً إلى الإرباك الذي تشعر به على الساحة السورية بعد التحرك الروسي من جهة وثبات الدولة السورية والتشكيلات الشعبية المساندة من جهة ثانية، وبالتالي محاولة لكسر الطوق الذي فرضه الأكراد في سوريا على تركيا وجماعاتها التدميرية. وبالتالي الضغط على الكرد السوريين وخاصة وحدات الحماية الشعبية .
ثالثاً: محاولة العمل على تشكيل جماعات أخرى من شأنها أن تحدث شرخاً طائفياً وقومياً لإعادة خلط الأوراق بعد الإنتصارات التي حققها الجيش العراقي والحشد الشعبي المساند له. كما أن الأطماع التركية القديمة في الموصل كمدينة ومحافظة لا تخفى على أحد. كما أنها محاولة أردوغانية لعزل جنوب كردستان عن غربها، وفرض سياستها على الكرد في جنوب كردستان في قضايا كردستانية وعراقية وإقليمية، ومسعى للدخول إلى مدينة تلعفر التركمانية. كما أنه فرض واقعاً يضمن آلية ميسرة أكثر لنقل النفط السوري والعراقي من تنظيم داعش إلى نظام أردوغان.
رابعاً: هذه التدخلات غير الشرعية في شؤون الشرق الأوسط هي العامل الأول والأخير لانتشار الإرهاب في المنطقة، فالهدف الوحيد للتدخل التركي في العراق والذي حصل على الرغم من معارضة الحكومة العراقية هو تبرير النشاطات التخريبية في الموصل، ولن تكون له تبعات أخرى سوى تصاعد التوتر في المنطقة، فمواجهة الفكر التدميري يتطلب التخلي عن روحية الهيمنة، وعدم دعم الدكتاتوريات .
وكانت وزارة الخارجية العراقية قد استدعت السفير التركي في العراق وسلمته مذكرة احتجاج على خلفية دخول قوات تركية إلى العراق، وقالت الوزارة على لسان المتحدث باسمها أحمد جمال إن دخول قوات تركية إلى أراضي العراق دون علم الحكومة المركزية في بغداد، يعد خرقا وانتهاكا لسيادة البلد وتجاوزا على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل. وأضاف جمال أن العراق يعتبر وجود أي قوات عسكرية داخل أراضيه ودون علم حكومته عملاً معادياً، وأن وزارته استدعت السفير التركي لتسليمه مذكرة احتجاج بهذا الصدد، وطالبته بسحب المقاتلين الأتراك فورا. وهذا ما يأتي في سياق تفنيد المزاعم التركية من أن دخول قواته للعراق يأتي بتنسيق مع الحكومة العراقية.
إن التحرکات الأخيرة في المنطقة قد کشفت عن اياد خفية تدعم الفكر التدميري رغم انها ترفع يافطة مکافحته، فمنذ ان هاجمت جماعات الفكر التدميري العراق واوغلت في قتل المسلمين في سوريا منذ اعوام، کانت هنالك الکثير من الأدلة التي تثبت تعاون بعض الدول مع الارهابيين وهو ما اصبح اليوم اکثر وضوحاً في ظل التحالفات الإقليمية والتدخلات العسکرية والتي آخرها التركية.