“مؤتمر الرياض”؛ إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث
لم تعد السعودية حج “المستطيعين”، وليست خيطًا من “حبل الله” المتين، وما عادت قبلة المسلمين الروحية كما تركها نبي الإسلام والرحمة، فلا موسم الحج الفائت حفظ أرواح الحجاج الذين قضوا نتيجة “لا مبالاة” سعودية، ولا الأشهرُ الحرام التي رفض عرب الجاهلية القتال فيها وضعت نهايةً لرواية العدوان على اليمن، وبين هذا وذاك، يلوح في الأفق مؤتمر الرياض “للوحدة”، الذي انطلق حديثًا.
“مؤتمر الرياض” هذا ليس لـ”تقريب المذاهب”، ولا للدفاع عن المستضعفين، ولا لحماية الأقصى ومنع الاستيطان، إنه وحسب ما أعلنه عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، يهدف لـ”توحيد صف المعارضة السورية وتوضيح الأهداف وتحقيقها”، إلا أن المؤتمر منذ البدء بالتحضير له غابت عنه المصداقية من جهتين، الجهة الأولى ما يتعلق بمصطلح “المعارضة السورية” الذي استخدمه الجبير، فلهذا المصطلح معنى مختلف عن المعنى الظاهر، والمقصود هنا “الجماعات المسلحة المرتبطة بالسعودية”، وهذا ما يفسر أن “الاتحاد الوطني الديمقراطي الكردي” والذي يُعتبر من المعارضة لم توجه إليه دعوة لحضور المؤتمر، كما لم توجه إلى تيارات أخرى كالجيش السوري الديمقراطي، وغيره من التيارات.
الجهة الثانية تتمثل في ادعاء الجبير بأن “المملكة لن توجِّه الدعوة إلى أي جماعة متشددة أو أي شخصية مدرجة على قوائم الإرهاب”، ولكن “حركة أحرار الشام” كانت على رأس المدعوين إلى المؤتمر، ولا حاجة للدخول في ملفات ووثائق هذه الحركة لإثبات ارتباطها بالإرهاب فيكفي تحالفها مع “جبهة النصرة” المدرجة على قائمة التنظيمات الإرهابية، وهذه الحقائق تؤكد أن مؤتمر الرياض قائم على “الانتقائية الولائية”.
منذ اللحظات الأولى بدأ المؤتمر بالتفسخ، فهيثم مناع وقدري جميل غابا عن المؤتمر واستُبْدِلا بمجموعات مسلحة تاريخها مليء بالإجرام وبالتحالف مع تنظيمات إرهابية متعددة، واعتماد الرياض على الانتقاء أثار حفيظة المعارضة “غير المدعوة” إضافة إلى كل من يرفض النزول تحت الطاعة السعودية والعمل وفق سياسات الرياض، ولهذا شكلت هذه الفصائل مؤتمراً مستقلاً في مدينة الحسكة السورية، وهذا ما شق الصف قبل فرحة الوحدة التي تحلم الرياض أن تتغنى بها يومًا.
لا يمكن للرياض أن توحد جماعاتٍ سالت بينها دماء، وليست الرياض أصلا في موقع يؤهلها لتعزيز الوحدة، فالفصائل المعارضة تتنوع حسب ارتباطها بالسعودية، فمثلا أحرار الشام صاحبة المكانة الأهم في البلاط السعودي، يقابلها فصائل لم توجه السعودية دعوة لها لحضور المؤتمر، مرورًا بالفصائل التي رفضت الحضور في المؤتمر، وهذا الانقسام ينبئ بفشل محاولات بث الإلفة، فهذه الفصائل والتيارات ستبقى معادية لبعضها البعض طالما أن منزلتها من الراعي السعودي مختلفة، ناهيك عن أن بعض هذه الفصائل لا تحظى بقبول سعودي، في حين أن واشنطن ترى فيها مؤهلات كثيرة، كـ”قوات سورية الديمقراطية”.
فرص الوحدة شبه معدومة، ولو فرضنا نجاح السعودية في توحيد المعارضة، هذا يعني أن فيينا فشلت، فلا يمكن للشعب السوري أن يحاور عصابات إرهابية جمعتها الرياض وجملتها ببعض مساحيق التجميل الدعائية لتبدو وكأنها لا تعرف للجريمة معنى!، وبماذا ستطالب هذه الفصائل في فيينا!؟، هل ستعمل على رسم الخريطة السعودية على الجغرافية السورية ردًا للجميل الذي قدمته الرياض لهذه الفصائل من خلال توحيدها وتجميلها لتصبح مؤهلة للجلوس حول طاولات فيينا الفاخرة!؟.
العجب كل العجب من استلام السعودية لهذا الملف، إذ كان من الضروري أن تتولى هذا الموضوع لجنة دولية متعددة الجنسيات تشارك فيها جميع الدول المعنية، ولا تكون مهمة هذه اللجنة توحيد المشتتين، بل يجب أن ترتكز مهمتها على دراسة الفصائل المتواجدة على الأرض، لتميز الإرهابي من “المعتدل” -في حال وجوده-، ومن ثم توجّه دعوات للمعتدلين لحضور فيينا ويتم اتخاذ قرار دولي يقضي بمحاربة الإرهاب وداعميه، وبعدها فمن حضر من المعتدلين يدخل في العملية السياسية، ومن لم يحضر يبقى أمامه خياران، إما ترك السلاح أو يدرج على قائمة الإرهاب.
في النهاية يمكن الجزم بأن مؤتمر الرياض سيلاقي مصير الفشل، ولا معارضة موحدة، كما يمكن التأكيد أن وجود مجموعات مسلحة في فيينا تنادي بمطالب سعودية سيجلب الفشل للمؤتمر المقرر انعقاده في نيويورك، وسيُعيد الأمور إلى نقطة الصفر، ولكن رغم هذا لا ترى السعودية أي مانع من استمرار الحرب التي دمرت بنية الدولة السورية وأودت بحياة مئات الآلاف من الأبرياء والمدنيين، هذا إذا لم نقل برغبتها في ذلك.
المصدر / الوقت