من المتضرر من اسقاط طائرة سوخوي والعقوبات الروسية؟
اسقطت تركيا طائرة سوخوي الروسية ليكون نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، هي طعنة في الظهر دفعت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتوقيع على مرسوم يقضي بفرض سلسلة عقوبات بحق أنقرة من أبرزها إعادة العمل بنظام التأشيرات لدخول الأتراك إلى روسيا، وتشديد الرقابة الجمركية على البضائع التركية، وحظر استخدام الأيدي العاملة التركية، بالإضافة إلى حظر استيراد بضائع محددة. كما أن المرسوم يلزم مكاتب السياحة الروسية بوقف تسويق الرحلات السياحية إلى تركيا ابتداء من مطلع العام القادم. وأعلن وزير التربية والتعليم الروسي إيقاف كافة أشكال التعاون والتبادل مع وزارة التربية والتعليم التركية، والعمل على إعادة كافة الطلبة الروس المبعوثين للدراسة في الجامعات والمعاهد التركية. هذه العقوبات وجهت الحديث والتحليلات حول البلد الأكثر تضرراً من مجريات الأحداث ما بعد اسقاط الطائرة.
أولاً: العلاقات الروسية التركية تتميز ببعدها الإقتصادي أكثر من كونها بأي طابع آخر، فهناك العلاقات الاقتصادية التركية الروسية قوية ومتداخلة في مجالات التجارة والخدمات والسياحة، وقبل الأزمة الحالية كانت هناك خطط واعدة لإقامة مشاريع كبرى في مجال الطاقة، مثل بناء مفاعلات نووية روسية لإنتاج الطاقة الكهربائية في تركيا، ومشروع “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى تركيا. هذه المجالات من التعاون الإقتصادي والتي كان في الواقع كلا الطرفين يعرب عن اهتمامه بها وتنفيذها.
ثانياً: تعتبر روسيا المورد الرئيسي لتركيا في استيراد الغاز الطبيعي منها هذا ما قد يضر بتركيا كثيراً إضافة إلى وقف المشروعات المشتركة في هذا المجال، كما تعتمد تركيا على روسيا في نحو اثني عشر في المائة من الواردات النفطية أيضاً. ويقوم البلدان بمشروع مد السيل التركي للغاز الطبيعي بأربعة خطوط، أحدها بحجم ستة عشر مليار متر مربع، سيمتد من روسيا إلى تركيا مباشرة عبر البحر الأسود، ما سيوفر في أسعار الغاز الروسي المورد إلى تركيا، والخطوط الأخرى بحجم خمسين مليار متر من تركيا إلى اليونان لتوصيل الغاز الروسي لأوروبا والذي ستستفيد تركيا منه أيضا إلى لعب دور الموزع وتوفير فرص العمل وجذب الأموال إليها . فيما ستخسر روسيا إحدى اسواق توزيع الغاز لديها.
ثالثاً: تحتل تركيا المركز الخامس بين شركاء روسيا الاقتصاديين، وهي رفضت المشاركة في العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، وبالتالي فإن البضائع التركية تقدم بديلا مناسبا للمواد الغذائية المحظورة التي تنتجها أوروبا، وفقدانها سيؤدي إلى ارتفاع كبير بأسعار المواد الغذائية. ففي عام ٢٠١٤ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ٣١ مليار دولار، أما خلال الأشهر التسعة الماضية من هذا العام فبلغ ١٨.١ مليار دولار، علماً بأن روسيا تصدر بضائع وسلعاً إلى تركيا أكثر مما تستورد منها بكثير. ووفقاً لأرقام ألكسندر كنوبل مدير مركز الدراسات التجارية الدولية لدى أكاديمية الاقتصاد الوطني والخدمة الحكومية في موسكو ( المقربة من الحكومة الروسية)، فإن روسيا استوردت في العام الحالي من تركيا بضائع بأكثر من ٣ مليارات دولار، ومن المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري في هذا العام إلى مستوى ٢٣ـ٢٥ مليار دولار، وأن تشكل الصادرات الروسية الجزء الأكبر منها وتبلغ ٢٠ مليار دولار، أما حجم المستوردات فلن يزيد عن ٤ـ٥ مليارات دولار.
ثالثاً: في المجال السياحي تعدّ روسيا من أهم الدول التي تعتمد تركيا على عدد سياحها الذين وصل عددهم العام الماضي إلى أربعة ملايين ونصف المليون سائح من أصل ستة وثلاثين مليون سائح زاروا تركيا خلال العام بنسبة حوالي ثلاثة عشر في المائة لتكون روسيا في المرتبة الثانية بعد السياح الألمان بحسب إحصاءات وزارة السياحة التركية. وبدلًا من استغلال تركيا للأزمة السياحية في مصر بعد قرار روسيا وبريطانيا تعليق الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ وإجلاء السياح هناك إثر سقوط طائرة ركاب روسية في شبه جزيرة سيناء، فقد يلقي حادث إسقاط أنقرة للمقاتلة الروسية على الحدود التركية السورية بظلاله على قطاع السياحة التركي بشكل كبير، وقد توقفت الشركات السياحية الروسية الكبرى عن حجز الرحلات إلى تركيا تنفيذا لتوصيات وزارة الخارجية الروسية ووكالة السياحة “روس توريزم”. خسائر تركيا ستبلغ مليارات الدولارات في حال استمرار توقف حركة السياحة الروسية حتى بداية ذروة الموسم في نهاية الربيع المقبل .
رابعاً: روسيا بحاجة الى تركيا بعد فرض مقاطعة غربية على غازها الطبيعى وانخفاض اسعار البترول عالميا، كما ان تركيا تعد ممرا مهما لصادرات روسيا الى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، وستشكل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات الغربية عامل ضغط على صانع القرار تجاه تصعيد حدة التوتر مع تركيا، فمعدل نمو الناتج المحلي الاجمالي لروسيا قد انخفض من ١.٣% عام ٢٠١٣ الى ٠.٦% عام ٢٠١٤ كما تدهورت قيمة العملة الروسية الروبل امام الدولار بنسبة ٩٠% منذ يوليو ٢٠١٤ وما تبع ذلك من اثار تضخمية دفع ثمنها المستهلك المحلي الروسي .
كما ان تركيا بحاجة لروسيا، فالاقتصاد التركي ليس في أحسن حالاته فلم تعد تركيا تحقق معدلات النمو الكبيرة التي تجاوزت الـ٨ % خلال الفترة من ٢٠٠٩ الى ٢٠١١ ، حيث بلغ متوسط معدل النمو خلال الاعوام الثلاثة السابقة نحو ٣% كما انخفضت الليرة التركية امام الدولار بنحو ٢٠% خلال عام ٢٠١٤ .
المصدر / الوقت