مغامرة القرن الواحد و العشرين؛ أردوغان يتحدى الهتافات
أيامٌ مضت على اجتياح القوات التركية للأراضي العراقية، و لا زالت أنقرة تصر على موقفها و “شرعية” قرارها رغم اختراقها الصريح للقوانين الدولية، و لم يكترث صناع القرار التركي بردات الفعل الدولية و العراقية المتنوعة، و بهذا تكون أنقرة اختارت خندق المواجهة مع العراق بأكمله، مع الحكومة التي أدانت الاعتداء التركي، و مع المرجعية الدينية التي حذرت من الخطوة التركية و نددت بها، إضافةً إلى الشعب العراقي الذي عبر عن غضبه بالمظاهرات.
الشعب العراقي أثبت من خلال المظاهرات أن إرادة العراقيين لا تنفصل عن إرادة و قرار الحكومة العراقية، ما يعني أن تركيا تواجه دولة بأكملها، و ليس مجرد حكومة أو وزير، كما أن الشعب العراقي أظهر من خلال المظاهرات الغاضبة التي قام بها جهوزيته لكافة الخيارات، و خاصة أن المرجعية العراقية في النجف أيدت خيار الحكومة و الشعب، في رفض التدخل التركي الصارخ.
المظاهرات التي شارك فيها آلاف العراقيين نددت بدخول القوات التركية التي اجتاحت المدن العراقية مطالبةً باستخدام كافة الوسائل لمواجهة التوغل التركي، و اللافت أن وسائل الإعلام التركية لم تسلط الضوء على الاحتجاجات الشعبية في العراق رغم أهمية دلالاتها، و على ما يبدو فإن الحكومة التركية لم تدرك خطورة قرارها و ما هي مقبلةً عليه، و لم تدرك حكومة “أردوغان” أن المخاطر تبدأ عندما تواجه إرادة شعب رفض أن تُكسر سيادته و يعتدى على أرضه.
تعتقد الحكومة التركية أنها قادرةٌ على التدخل في الشؤون العراقية، و تنظر إلى الأمور من منظار ضيق، فهي ترى أن العراق مشغول بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، و ليس بمقدوره في الوقت الراهن أن يتخذ خيارات عسكرية ضد أنقرة، و لكن ما غاب عن الرئيس التركي “أردوغان” أن تركيا ليست بموضع يمكنها من الاعتداء على العراق، فواشنطن زعيمة حلف الناتو الذي تلجأ إليه تركيا في كل المصائب – كما حصل فور إسقاط الطائرة الروسية- لم تستطع كسر شوكة الشعب العراقي، فبعد مضي أكثر من 3 سنوات على الاحتلال الأمريكي للعراق ظهر الرئيس الأمريكي جورج بوش ليقول” :إن قلبي يقطر دماً على خسائرنا في العراق”.
كما أن الشعب العراقي لن يقبل بتواجد قوات أجنبية سواء كانت تركية أو غير تركية على أرضه، وخاصةً أن العراقيين يبذلون الآن أرواحهم و دماءهم لاستعادة أراضيهم من التنظيمات الإرهابية، و لحفظ وحدتها واستقلالها، فلن يكتمل النصر إلا عندما تكون كل الأرض العراقية خاضعة لسيطرة الدولة و الحكومة، و من المؤكد أن الشعب العراقي لن يتوانى عن بذل الغالي و الرخيص لتحقيق هذه الغاية.
سياسة التحدي و العناد التي تنتهجها الحكومة التركية ستجعلها تندم في قادم الأيام، فبنظرة سريعة على المنطقة نجد أن تركيا خسرت كل أصدقائها و جيرانها، من العراق إلى سوريا مرورًا بروسيا و غيرها من الدول المجاورة لها، كما أن واشنطن الحليف الداعم لأنقرة باتت تتخذ مواقف متأرجحة، إذ اعتبرت أمريكا دخول قوات تركية إلى العراق خطوة فردية لا شأن للتحالف الدولي بها، كما أن واشنطن تركت أنقرة وحيدة في العديد من الساحات، كإسقاط القاذفة الروسية، كما وأكدت أمريكا أن تنظيم داعش الإرهابي يرسل النفط إلى الأراضي التركية.
بدأت الحكومة التركية تدخل نفق معاداة الجميع، و هذا حتى و إن لم يؤد إلى مواجهة عسكرية مباشرة إلا أنه سيعرض أنقرة لأيام قاسية، وخاصة أن علاقاتها أصبحت هشة و متوترة مع الدول المصدرة للنفط و الغاز المجاورة لها، و هذا يعني أن أنقرة في أحسن أحوالها ستشهد أزمة اقتصادية كبيرة في المستقبل القريب، هذا إذا لم تتعرض لعقوبات و حظر دولي بسبب دعم و تمويل الإرهاب، و خاصة أن الشكاوى المرفوعة ضدها في المحافل الدولية بدأت تتزايد شيئًا فشيئًا، فمن إسقاط الطائرة الروسية، إلى شراء نفط داعش، والآن انتهاك سيادة العراق.
في النهاية، يمكن التأكيد أن أردوغان بات يقود الدولة التركية إلى حافة المخاطر، وباتت المشاريع التي يرغب بتنفيذها تشكل تهديدًا كبيرًا على استقرار تركيا وأمنها، إذ أنه بات يقف في وجه إرادة الشعوب وحقها في الاستقلال والحرية وتقرير المصير، وهذا ما سينعكس في المستقبل على الدولة التركية جمعاء، وسيأتي اليوم الذي يعتلي فيه “أردوغان” منصة بوش الابن.
المصدر / الوقت