مؤتمر الرياض و الموقف الأمريكي منه؛ دلالات وأبعاد
لم تُخفِ التصريحات الأمريكية التي اطلقها المسؤولون الأمريكيون سواء ما قبل مؤتمر الرياض أو ما بعده الرغبة و الترحيب بمخرجات المؤتمر، حيث اجتمع ممثلون عن جماعات الفكر الإرهابي التدميري التي دخلت سوريا منذ ما يقارب الخمس سنوات، و بتنظيم من قبل العائلة الحاكمة في السعودية، و على الرغم من تباين الآراء بشدة بين هذه الجماعات من جهة، و فقدانها للإرادة و التصميم من جهة أخرى، إلا أنهم تمكنوا من التوصل إلى اتفاق على تشكيل وفد لتمثيلهم في أي مفاوضات ممكنة على أن لا يكون للحكومة السورية فيها أي دور مستقبلي، و قد جاء الترحيب الأمريكي على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي حينما وصف الإجتماع و مخرجاته بأنه خطوة حاسمة باتجاه خيار الجماعات نحو الإستمرار. الترحيب و الدعم الأمريكي هذا يأتي كمؤشر على جملة من الأمور التي لطالما ارتكزت عليها الإدارة الأمريكية في سياستها اتجاه المنطقة.
أولاً: الإجتماع ضم ممثلين عن جماعات تقر الإدارة الأمريكية بأنها ارهابية، و هي بدعمها لهذا المؤتمر و ترحيبها بمخرجاته وضعت نفسها في موضع المزيد من التأكيد على سياستها الداعمة بل و الصانعة للفكر الإرهابي و الراعية لهم، و بالتالي فإن السعودية هي الواجهة التنفيذية للإدارة الأمريكية في هذا الملف ليس إلا أما التصميم و الإدارة و التخطيط فهي أمريكية بامتياز، كما أن الترحيب الأمريكي يوضع في خانة الضوء الأخضر الأمريكي لهذه الجماعات من أن مستقبل سوريا وفق رؤيتهم هي لهذه الجماعات، و هي تأتي ضمن سلة التطمينات لهذه الجماعات من جهة و للداعمين مادياً و وهابياً لهم في الإستمرار في المخطط المرسوم لهم و المضي على نفس وتيرة التصعيد في القتل و الإرهاب و التدمير و التفجير.
ثانياً: الترحيب الأمريكي و الرعاية لهذا المؤتمر يأتي في سياق تسليط الضوء على المجتمعين في هذا المؤتمر على أنهم جهة معتدلة لا علاقة لهم في سفك الدم السوري، و أنهم طلاب تغيير، و قد شملت الدعوات إلى هذا المؤتمر لخليط و تركيبة من أشخاص لا يوجد أي تمثيل لهم على الأراضي السورية من جهة، بل هم من المغتربين و بعض المتمولين الذين يعيشون في الخارج، و اشخاص آخرين يمثلون بعض الجماعات التدميرية التي دخلت الأراضي السورية في سياق خلط الأوراق و تقييم المدعوين.
ثالثاً: الترحيب الأمريكي يأتي في سياق الإرتياح لنتائج المؤتمر، فصحيح أن السياسة الأمريكية ارتكزت خلال السنوات الماضية على أسلوب تعددية الجماعات التدميرية لموازنة القدرات من جهة و إطالة أمد المعارك و توسيع رقعتها من جهة أخرى، إلا أن المرحلة و قبل اجتماع جنيف تقتضي تركيز الثقل في المفاوضات على مجموعة من الطروحات التي تصب جميعها في خانة الغاء دور الحكومة السورية فيها من جهة و ضرب الإنجازات التي حققتها على مدى خمسة أعوام و لو سياسياً من جهة أخرى، و مع وجود ثقل شعبي مؤيد للأسد و حكومته يذهب الخيار الأمريكي إلى ضرورة توحيد آراء هذه الجماعات و لو شكلياً تمهيداً للإجتماعات المزمع عقدها.
رابعاً: التحرك الروسي الأخير في المنطقة قلب المعادلة و الموازين، و يأتي الترحيب بمخرجات المؤتمر فضلاً عن تنظيم المؤتمر بحد ذاته كضغط سياسي أمريكي على التحرك الروسي الذي جاء لصالح الشعب السوري و حكومته، وبالتالي العمل على ممارسة مزيد من الضغوطات للحد من السقف الروسي الذي رسمته المعادلة و فرضته على الأرض. و بالتالي محاولة لفرض وقائع تفاوضية جديدة بعد أن ظهر ضعف خيار الجماعات التدميرية الإرهابية على الأراضي السورية و ذلك من خلال دعوة موسكو للحوار و لكن بسقف متوازن بينهما.
المصدر / الوقت