هكذا انتصروا…أنصار الله و الاستراتيجيات الثلاثة
لم يكن قرار السعودية ببدء عدوانها على اليمن في السادس و العشرين من مارس/آذار الماضي قرار صائبًا و مدروسًا، فالحرب التي فرضتها السعودية على نفسها فاقت المخططات الزمنية المتوقعة، و منذ الساعات الأولى على بدء العدوان بدأت الرياض تشعر أن زمام المبادرة خرج من سيطرتها و أن الأمور لم تعد تسير وفق ما خططت لها الغرف السوداء في عواصم دول مجلس التعاون، فاليمن التي رسموها في مخططاتهم تختلف عما هي عليه في أرض الواقع.
عندما شعرت السعودية أن الحرب و الهجمات التي شنتها ضد القوات اليمنية و تحديدًا أنصار الله لم تثمر رغم اتحاد دول مجلس التعاون لجأت إلى استخدام استراتيجيتين شهيرتين خلال المعركة؛ الأولى استراتيجية الأرض المحروقة و التي تتمثل بتدمير أي شيء يفيد الطرف الآخر، و لهذا لجأت السعودية إلى تدمير البنية التحتية للدولة و مراكز الخدمات الصحية و الاجتماعية و غير ذلك، و الاستراتيجة الثانية التي اعتمدتها الرياض كانت استراتيجية فابيان و التي تعتمد على إطالة الحرب لإنهاك الطرف الثاني، بالإضافة إلى قطع إمداداته، و لهذا نجد أن الرياض كانت حريصة طوال الحرب على منع الإمدادات من الدخول إلى اليمن دون موافقتها أو إشرافها.
رغم هذا و رغم اتحاد دول مجلس التعاون ضد اليمن، و رغم السلاح الحديث و الطائرات المقاتلة التي تملكها السعودية و من تحالف معها، و رغم الغطاء الدولي على الاعتداء، لم تنجح السعودية في كسر شوكة أنصار الله الذين استطاعوا تكبيد السعودية خسائر كبيرة حتى اللحظات الأخيرة قبل جنيف، و لم تستطع القوات المتحالفة تحقيق أي نصر يكتب لها في أرض المعركة، بل خرجت من اليمن صفر اليدين، و في المقابل استطاع أنصار الله إثبات قدرتهم في ساحات الحرب، و أظهروا قدرة قتالية منقطعة النظير، و هذا يعود إلى ثلاث استراتيجيات اعتمدها أنصار في مواجهة العدوان السعودي.
الاستراتيجية الأولى؛ الانساحب من جنوب اليمن:
أعلنت السعودية أنها ستجعل من عدن مقرًا مؤقتًا لحكومة “خالد بحاح”، على أن يتم فيما بعد نقلها إلى العاصمة صنعاء، لم يكن مخطط السعودية بهذه السطحية، و اختيار عدن كان لتحقيق عدة أهداف، أهمها:
1- جر أنصار الله إلى الجنوب، ما سيمكن الرياض من القيام بعمليات ضد مدنيي عدن مشعلةً بذلك فتنة بين أنصار الله و الجنوبيين، مما يخفف أعباء الحرب على السعودية، كما أن هذا سيؤدي إلى تقسيم اليمن و إنهاكه.
2- إضعاف أنصار الله و إدخالهم في حرب استنزاف مع التنظيمات الإرهابية المتواجدة في الجنوب.
3- دفع أنصار الله إلى تركيز قوتهم في الجنوب، الأمر الذي سيتيح للقوات السعودية اجتياح اليمن من الشمال.
ولكن مخطط السعودية هذا قابله أنصار الله بالانسحاب من عدن، وهنا تعرضت الرياض إلى خسارة عسكرية و سياسية كبيرة، إذ أنها عجزت عن تثبيت حكومة راسخة ذات شعبية لخالد بحاح في عدن، و فشلت في استنزاف أنصار الله و إدخالهم في حرب داخلية، و هنا ظهر للعلن أن المخطط السعودي لا يلقى ترحيبا من غالبية الشعب اليمني، و أن السعودية لا تهدف بعدوانها على اليمن إلا إلى خدمة مصالحها و مشاريعها.
الاستراتيجية الثانية؛ السيطرة على مناطق سعودية:
تعمد أنصار الله خلال العدوان اقتحام الأراضي السعودية و السيطرة على معسكرات للجيش السعودي، وهذا ما شكل ضربة إعلامية قوية لقدرات الرياض العسكرية، كما أربك صناع القرار في الرياض، فالسعودية و الدول التي معها ألقوا كل ثقلهم منذ الساعات الأولى للعدوان و لم يعد في جعبتهم أي أوراق جديدة، و التجهيز لاقتحام العاصمة اليمنية أفشله صاروخ “توتشكا”، فقعدت السعودية و أخوتها حاسرين، في حين كان أنصار الله يتوغلون داخل الأرض السعودية مسيطرين على عشرات المواقع العسكرية التابعة للجيش السعودي، و هذا منحهم أوراقًا هامة حرفت المعركة لصالحهم.
الاستراتيجية الثالثة؛ جر الحرب إلى البحر:
يدرك أنصار الله أن السعودية لن تدخل معهم في معركة برية واسعة و خاصة بعد الخسارة التي منيت بها عام 2009، و لهذا اعتمدوا استراتيجية جديدة، و لجؤوا إلى جر الرياض إلى البحر، وذلك من خلال سيطرتهم على مدينة الحديدة الساحلية، و هنا ظنت السعودية أنه بات بامكانها توجيه ضربات بحرية قوية لأنصار الله، إلا أنها سقطت في كمينهم، إذ تمكنوا من استهداف 7 سفن حربية على الأقل، و تم إغراق اثنتين منهم، ليكونوا بذلك قد حمّلوا السعودية و حلفاءها المزيد من التكاليف والأثمان الباهظة.
الاستراتيجيات الثلاث هذه التي اعتمدها أنصار الله بُنيت على عنصر المفاجأة، إذ أن أنصار الله لم يظهروا كل قدراتهم منذ اللحظة الأولى، و اعتمدوا سياسة التصعيد البطيء، و هذا ما زرع الخوف في قلوب قادة العدوان، فأي لحظة يمكن أن تحمل مفاجأة أضخم من سابقاتها، حتى أن التصعيد وصل إلى استهداف القادة الكبار للعدوان، و هذا ما يمكن أن يعطي الرياض و من معها درسًا بأن اليمن أقوى مما يتصورون، و رغم هذا إلا أنه لا شيء يمنع حدوث عدوان مجدد على اليمن في المستقبل فـ(مَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)!.
المصدر / الوقت