التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

أمريكا تُسقط المظلة عن أوروبا: أمام الأمن القومي الأمريكي تنهار التحالفات 

على الرغم من أن الدول الأوروبية تشكل حليفاً مهماً لواشنطن، لا سيما لما تلعبه هذه الدول من دورٍ مهمٍ في السياسة الخارجية و يشكل مصلحةً أمريكية، يبدو أن الحلف الوطيد أو العلاقة التاريخية بين الطرفين، تتجه اليوم لأن تصبح مضطربة، في ظل سعيٍ أمريكي لفرض تأشيرات دخول على بعض الأوروبيين. فكيف يمكن تحليل ذلك؟ و كيف أصبحت أوروبا أمراً هامشياً بالنسبة لواشنطن؟
هددت وزارات الخارجية في دول الإتحاد الأوروبي الـ ٢٨، الولايات المتحدة الأمريكية، بإحتمال اللجوء الى سياسة اتخاذ إجراءات مماثلة للرد على ما يمكن أن تلجأ إليه واشنطن، عبر فرض تأشيرات دخول على بعض الرعايا الأوروبيين المعفيين حتى الآن من هذا الإجراء . وهو الأمر الذي لم تستَسِغهُ السلطات الأوروبية، فيما أعادته واشنطن لأسبابٍ أمنية.
و هنا فإن القصة بدأت بعد أن تبنى مجلس النواب الأمريكي الأسبوع الماضي، و بدعم من الإدارة الديموقراطية، مشروع قانون يفرض على رعايا أوروبيين توجهوا منذ ٢٠١١ إلى العراق و سوريا و إيران و السودان التقدم بطلب الحصول على تأشيرة سياحية أو مهنية لمدة قصيرة في حال أرادوا زيارة أمريكا. في حين يستهدف هذا القرار في حال أُقر، الأشخاص الذين يحملون جنسيتين مثل الفرنسية و السورية أو البريطانية و السودانية حتى و إن لم يتوجهوا إلى هذه البلدان .
ولعل المشكلة التي تعاني منها الدول الأوروبية تكمن في أن رعايا ٣٨ دولة غنية من بينها ٢٣ دولة أوروبية، تتمتع ببرنامج إعفاء من تأشيرات الدخول يُطلق عليه اسم “ISTI ” و يقضي بالحصول على التأشيرة من خلال الإنترنت. و على الرغم من أن هذا الأمر لا يمنع السلطات القنصلية الأمريكية من القيام ببعض التحقيقات المسبقة و مراقبة دخول هؤلاء المسافرين إلى أرضها، فإن هذا القانون الجديد في حال أُقر سيجعل الأمور أكثر تعقيداً. وهو ما دفع بالعديد من سفراء دول الإتحاد الأوروبي يوم الإثنين، لتقديم انتقاداتهم و حمل تهديدات بلادهم الى الحكومة الأمريكية.
فبحسب مجلة “The Hill ” و التي تُعنى بأخبار الكونغرس، فإن السفراء الأوروبيين برئاسة سفير الإتحاد الأوروبي “ديفيد أوسوليفان”، نقلوا في رسالة مفتوحة، بأن مثل هذا الإجراء و بدون تمييز ضد أكثر من ١٣ مليون مواطن أوروبي يقومون بزيارة أمريكا سنوياً سيكون غير مثمر، و قد يؤدي إلى إجراءات قانونية بالمثل، و هو لن يحسن الأمن، لكنه حتماً سيؤثر سلباً على الإقتصاد في ضفتي الأطلسي واصفةً الإجراءات بأنها قيودٌ عمياء.
بناءاً لما تقدم، و بعد أن تقصَّدنا سرد الحقائق خدمةً للمهنية الصحفية، فإن تحليل العلاقة بين الطرفين، تصل لنتائج يمكن تلخيصها بالتالي:
– خرجت العلاقة بين الطرفين عن المستوى المعهود. فمن المُعتاد أن يتم التشاور في هكذا قضايا من خلال القنوات الديبلوماسية السرية، و بعيداً عن الإعلام و الصحف، و هو الأمر الذي كان يجري عادةً على الرغم من أن واشنطن لا تتعاطى مع الدول الأوروبية بمنطق الحليف بل بمنطق التابع لها.
– و هنا فإن لجوء الدول الأوروبية لسفراءها، و هو الأمر الطبيعي من الناحية الدبلوماسية، يعود لأسباب تتعلق بالمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق حكومات هذه الدول أمام شعوبها تحديداً، و خصوصاً أن الأمر يهدد ملايين الأوروبيين. فالمشاكل التي تعيشها أوروبا تُرهق عاهل السلطات الأوروبية، لا سيما قضايا الإرهاب.
– و لعل الغريب في ما جرى، هو أن الأحداث بيَّنت أن واشنطن تقوم بإتخاذ قراراتٍ ترى فيها مصلحةً لأمنها القومي، في وقتٍ لا تُكلف نفسها عناء التنسيق المُسبق مع الطرف الأوروبي مثلاً. وهو الأمر الذي يعني الكثير لجهة أن الإدارة الأمريكية، تهتم بمصالحها، ولا تقف عند مصالح الآخرين و لو كانوا الحلفاء.
– و هنا لا بد من الإشارة الى أنه من النادر أن تصل العلاقة بين الطرفين الى هذا المستوى. فيما يبدو واضحاً السخط الأوروبي، فالرسائل التي بعثها الغرب تتعدى التمني، لتصل الى مستوى التهديد، فيما وُصفت سياسة واشنطن بالعمياء، من قِبل المعنيين الأوروبيين.
إذن يبدو أن الأمن أصبح أولويةً قد تُفرِّق أصدقاء الأمس بل الحلفاء. في وقتٍ يتساءل فيه الكثيرون عن الإصطفافات المُقبلة نتيجةً لتعقُّد المصالح و تشعبها. و لعل الدول التي كانت تعتبر نفسها بعيدةً عن المشاكل على الصعيدين الأمني و الحياتي، أصبحت تجد نفسها نموذجاً للدول التي تعاني من الإضطرابات. و بين السياسات الداخلية و مثيلاتها الخارجية، تغرق الدول في تحديد أولوياتها، وهو ما يهدد علاقات الجميع ببعضهم. فيما يبدو أن أمريكا، أصبحت تفتقد لدبلوماسيتها المعروفة، لتصبح أولوياتها أهم من الجميع. فهل سيقتنع الأوروبيون أنهم ليسوا سوى ورقةٍ سياسية بالنسبة لواشنطن؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق