التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, أكتوبر 6, 2024

شواهد وخلفيات التراجع والضعف الأمريكي في العالم 

تدرك أمريكا جيداً أن وقائع المنطقة فرضت معادلة جديدة خلافاً لما ارادته، ويستشعر حلفاؤها في المنطقة هذا التغيير وهو ما يثير قلقهم، فالكثير من الأنظمة في المنطقة قامت على دعم أمريكي من دون أن تحظى بأي تأييد شعبي، هذه الأنظمة تدرك أن تراجع أمريكا في المنطقة يشكل تهديداً لبقائها، كما أن التردد الذي يظهر على الإدارة الأمريكية في تعاطيها مع ملفات المنطقة يقرأه المتابعون على أن العالم الذي كان يدار وفق التصميم الأمريكي أصبح أضعف مما كان عليه في السابق، وبالتالي هذا الضعف سيسمح لقوى دولية أخرى بالصعود والمنافسة، كما أن التغييرات التي فرضتها وقائع الشرق الأوسط حذت بأمريكا للعمل ضمن آلية والبحث عن استراتيجية مغايرة جعلت حلفائها يستشعرون هذا القلق، كما أن هذا التردد الأمريكي والتراجع في القوة يظهر واضحاً أمام الدول الأخرى خارج منطقتنا العربية والإسلامية. في هذا المقال سنستعرض بعضاً من هذه التغييرات التي طرأت على السياسة الأمريكية، والأسباب الرئيسية التي تقف خلفها.
شواهد التراجع الأمريكي بوجه الشعوب
في الوقت الذي كان فيه التوجه الأمريكي نحو ممارسة الضغوط على ايران لإيقاف برنامج استخدامها للطاقة النووية للأغراض السلمية، وممارسة الضغوط التي صاحبها فرض حصار استمر لأكثر من ثلاثة عقود وتهديد بشن حرب عليها، ومع بقاء البرنامج قائماً وثبات الشعب الإيراني في الحفاظ على حقوقه، ومع تحول الحصار إلى نعمة على الشعب الإيراني مكنته من الإعتماد على النتاج الذاتي الداخلي أكثر، تراجعت أمريكا عن خياراتها وذهبت في تفاوض معها ومجموعة الدول الخمسة والتي أفضت إلى الإتفاق. وبغض النظر عن الخوض في الحديث عن خشية أمريكية من ارتفاع اسعار النفط نتيجة السياسة حيال إيران ما قبل الإتفاق والذي يهدد استقرار سعر صرف الدولار إلا أن سياسة التراجع كانت سيدة الموقف.
في سوريا ومع بداية الأزمة، كان الحشد الأمريكي واضحاً بعزمه على اسقاط الحكومة السورية صاحبة الشرعية وإلغاء دورها في أي رؤية مستقبلية، لتتحول هذه الرؤية وبالتحديد في اوائل العام ٢٠١٤ إلى حديث عن استبعاد أن تطلب أمريكا تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، لتنتقل التصريحات الأمريكية فيما بعد للحديث عن ضرورة ايجاد حل سياسي للملف السوري ودعوة للإصلاح وهو التحرك عينه الذي قامت به الحكومة السورية مع بداية الأزمة السورية التي تحولت إلى تدخلات خارجية.
في الملف الفلسطيني والذي كانت السياسة الأمريكية تتبع فيه اسلوب التغطية على كل الجرائم التي يرتكبها الكيان الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني والذي دعم مبررات احتلال الكيان لهذه الأرض، نرى أن الحديث الأمريكي الأخير بدأ يأخذ منحى تراجعياً ولو شكلياً بالحديث عن ضرورة ايجاد حل للواقع الفلسطيني، بالإضافة إلى ممارسة ضغوط على خطط بناء المستوطنات. على صعيد الحملات الإعلامية التي تشنها الأنظمة العربية الحاكمة اتجاه ايران للتخويف منها والتي كان الکيان الاسرائيلي ومن ورائه أمريكا عاملاً مساعداً فيها، برزت التصريحات الأمريكية الأخيرة من أن أكبر خطر يواجه المنطقة العربية والأنظمة الحاكمة فيها يتمثل بإنعدام الديمقراطية فيها.
التراجع الأمريكي ينسحب أيضاً على علاقاتها مع كوبا مثلاً والتي انتهجت معها على مدى أعوام سياسة العدائية اتجاهها والتي ترجع إلى جذور تاريخية، حيث التصريحات الأمريكية الأخيرة بخصوص كوبا تتمركز حول اعتبار أن السياسة التي عفا عليها الزمن لعزل كوبا قد فشلت بشكل واضح وقد حان الوقت لتبني نهج جديد. على صعيد العلاقات مع روسيا فإن التراجع في ممارسة الضغوط عليها حيال المسألة الأوكرانية واضح، فالتوجه الأمريكي في تصريحات أوباما الأخيرة حول القضية ارتكز على أن للرئيس بوتين على ما يبدو تفسيراً مختلفاً لما يجري هناك، وبأن سياسة بلاده لا تسعى إلى مواجهة مع أحد. هذه التصريحات الباردة تختلف كلياً عن سابقاتها من التصريحات. في الملف الصيني فقد ابحرت مجموعة من السفن مؤخراً في بحر بيرنغ وهو ما يعد مؤشراً واضحاً على رغبة الصين بتحطيم الأسوار وتجاوز النمط العادي في علاقتها مع أمريكا والتعامل معها بنوع من الندية الذي لم يعد يقابل كما في السابق.
خلفيات التراجع الأمريكي
أولاً: وفق حسابات أمريكا فإن توازنات الطاقة قد تغيرت حيث تضاءلت الأهمية الإستراتيجية لمصالح أمريكا في منطقة الشرق الأوسط، فتطور امكانية استخراج النفط الصخري سيمكن امريكا من الإكتفاء ذاتياً بل وقد تصبح دولة مصدرة للنفط خلال فترة وجيزة، وبالتالي فإن الإستراتيجية الأمريكية تحولت إلى الحفاظ على استقرار اسواق الطاقة، يضاف إلى ذلك رفع الحصار عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية والذي بدوره سيعزز وضع السوق النفطي.
ثانياً: مع اشتداد قوة حركات المقاومة والممانعة في المنطقة والتي تمكنت من إرهاق أمريكا واستنزافها، وفي ظل انفتاح فرص النمو في القارة الآسيوية والذي يرافقه صعود وتحرك صيني، فإن الأولوية لدى الإدارة الأمريكية في المرحلة القادمة وتوجهها نحو منطقة آسيا يفسر التراجع الأمريكي في منطقتنا، طبعاً لا تريد أمريكا مواجهة مع الصين.
ثالثاً: ارتفاع مستوى العجز في الإقتصاد الأمريكي والضغوط التي يفرضها واقع الإقتصاد على ضرورة التقليل من الإنفاق العسكري، فقد بات من الصعب التورط في مزيد من الحروب في المنطقة والعالم، وصار التوجه أكثر نحو ضرورة العمل وفق سياسة تحفظ المصالح الأمريكية في العالم.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق