تأثير الأزمة السورية على المخيمات الفلسطينية
الأزمة الإنسانية في المخيمات الفلسطينية، هي إحدى النتائج الهامة لاستمرار الأزمة في سوريا خلال السنوات الأربع الماضية. و يبدو أن المعادلات الإقليمية في غرب آسيا و استخدام التيار المحافظ في هذه المنطقة للفلسطينيين من أجل تحقيق أهدافه، أدی إلی انتقال الحرب إلى المخيمات.
إعتبر التيارُ المحافظ تیارَ المقاومة تهديداً له، و قام بتحقيق التوازن مع هذا التهديد. و یرید التيار المحافظ تغيير وجهة السياسة الخارجية لسوريا، باعتبارها واحدة من ركائز تیار المقاومة، و استخدم في هذا السبیل جميع الأسالیب، بما في ذلك جزء من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في هذا البلد.
وتعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين واحدة من القضايا الهامة للقضية الفلسطينية، و التي لم يتم حلها حتی الآن. وهذا الأمر یرتبط بالتطورات التي شهدتها الأرض الفلسطینیة خلال حربي ١٩٤٨ و ١٩٦٧، حیث احتلت أجزاءٌ من الأراضي الفلسطينية من قبل الصهاينة.
و بعد هذه الاعتداءات، استشهد عدد من الفلسطينيين و نزح الكثير منهم خوفاً من تكرار مثل هذه المآسي. ومعظم اللاجئين الفلسطينيين یعيشون إلی یومنا هذا في مخيمات تدار من قبل المجموعات الفلسطينية و في ظروف يرثى لها.
موقف الفصائل الفلسطينية من جهة، و نشاط الجماعات السلفية الفلسطينية ضد النظام السوري من جهة أخری، أدی إلی امتداد الأزمة إلی المخيمات الفلسطينية. و بعض الجماعات الفلسطينية أعلنت – ولو إعلامیاً – حيادها، و لكنها تتخذ بين حين و آخر مواقف ضد النظام السوري.
و لكن المشكلة الرئيسية هي الجماعات السلفية الفلسطينية التي لديها علاقات معقدة مع بعض الدول مثل السعودية و قطر. و بالنسبة إلی أسباب نفوذ السلفيين بین الفلسطينيين، يجب القول إن الفقر الثقافي و الاقتصادي أرضیةٌ مناسبة لنموّ الأفکار السلفية.
ذلك أن هذه الجماعات السلفية و بالنظر إلی اعتمادها علی مموِّلین أقویاء، بينما تقدّم المساعدات المالية، تقوم بنشر أفكارها بين الفلسطینیین أیضاً، و تلعب هذه الجماعات جنباً إلى جنب مع الجماعات السلفية الأخرى، الدور الرئيسي في النزاع المسلح ضد النظام السوري.
و بالإضافة إلى الموضوعات المذكورة أعلاه، فإن الحكومات المضيفة للاجئين تتجنّب بشكل طبيعي الدخولَ و التدخل العسكري في شؤون المخيمات، و ذلك بسبب عواقبه السياسية المكلفة. لهذا السبب فإن المسلحين جعلوا هذه المخيمات أحد مقرات عملياتهم ضد النظام السوري. فعلى سبيل المثال، مخيم اليرموك الذي یبعد ستة كيلومترات عن دمشق، و یقطنه حوالي مائتي ألف نسمة، یُعتبر المعقل الرئيسي للمسلحين.
بالنظر إلی ما تقدّم، فإن الأزمة السورية انتقلت تدريجياً إلى مخيمات اللاجئين في هذا البلد، و تسببت في العديد من المشاكل لنحو نصف مليون فلسطيني في ثلاثة عشر مخيماً في سوريا. وأدى ذلك إلى تشريد الفلسطينيين من جدید. کما أن دخول اللاجئين الفلسطينيين إلی الضفة الغربية أمرٌ مستحيل، و ذلك نظراً لمنع الکیان الإسرائيلي دخول اللاجئين إلى هناك.
الحكومة الأردنية أیضاً و خوفاً من زيادة عدد الفلسطينيين في هذا البلد (نسبة عالية من الأردنيين هم من أصل فلسطيني)، أقدمت علی مراقبة و إنشاء مخيمات في المناطق الحدودية، و تمنع بقدر الإمكان دخول اللاجئين الفلسطينيین و السوريين إلی هذا البلد.
أما لبنان فنظراً لعدم وجود التخطيط السليم و الأوضاع السياسية الخاصة في هذا البلد، و العلاقات الأسرية بين شعبي فلسطين و لبنان، فقد أصبح الوجهة الرئيسية للاجئين الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، یعیشون في أسوأ ظروف العمل و الإقامة بسبب القيود المفروضة على العمل في هذا البلد بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى، و لکن ينبغي إضافة هذا الأمر إلى غیاب البنية التحتية و الكهرباء و الخدمات العامة في لبنان.
قبل الأزمة في سوريا، کانت الدول العربية و الإسلامية و كذلك الجمعيات الخيرية ترسل مساعدت إلى هذه المخيمات، و لكن انخفضت هذه المساعدات بشكل حاد لعدة أسباب، مثل تقسيمها بين اللاجئين السوريین و الفلسطينيین، و الإنفاق على تكاليف معيشة المسلحين و توفیر الأسلحة لهم.
و بناءً على ذلك، فقد تحولت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن و لبنان، من ناحية زيادة الفقر، انتشار الأمراض، خلق المشاكل الأمنية وزيادة عدد حالات الانتحار، إلی أزمة إنسانية.
ومن أجل تجنّب تعميق الأزمة، یبدو ضرورياً جهدُ الأطراف المحلية و الدولية المعنیة لحل الأزمة في سوريا، و اتخاذ القرار الجاد لمستقبل اللاجئين الفلسطينيين من قبل الدول العربية و العالم الإسلامي، و العمل الجاد من ناحیة الأوساط الدولية و منظمات حقوق الإنسان، للضغط على الکیان الإسرائيلي لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرض أجدادهم.
وعلاوةً على ذلك، فثمة حلول عدة ينبغي النظر فيها على المدى القصير، کما يلي:
١. حياد الفلسطينيين الإعلاني والعملي في الأزمة السورية، و عدم المساهمة في انسحاب المقاتلين من المخيمات الفلسطينية.
٢. الإسهام في نقل اللاجئين الفلسطينيين و إسكانهم المؤقت في بلدان عربية أخرى، لتقسيم و تقليل حجم دخولهم إلى البلدان المجاورة.
٣. زيادة نشاط المؤسسات الدولية في مجال الإغاثة العاجلة، لتوفیر الغذاء والصحة والخدمات للاجئين الفلسطينيين.
٤. مساعدة البلدان المضيفة لمعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين بشکل أفضل.
بشكل عام یجب القول إنه مع مضي أكثر من ستة عقود على القضية الفلسطينية، ليس فقط لم تحل قضية اللاجئين بعد، بل وفقاً للظروف الإقليمية الجديدة، فقد تضاعفت مشاكلهم أیضاً. و يتطلب هذا الأمر إجراءات جادة من قبل جميع البلدان في المنطقة و العالم، لأن اللاجئين الفلسطينيين أكثر من حاجتهم إلی حلول و مساعدات مالية مؤقتة، یحتاجون إلی حل دائم لهذا الأمر.
المصدر / الوقت