أمريكا تستحوذ على سلاح القرن الواحد والعشرين
كنا في القرن السابق نردد شعارات “لا للتقسيم نعم للوحدة”، كان كل شيء واضحا، لا أحد يشكك بوعد بلفور الاستعماري ولا أحد يجهل أهداف اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، تغير هذا الحال في القرن الواحد والعشرين الذي شهد انتشار السلاح الأمريكي الجديد المتمثل بالإنترنت، ورغم أن هذا السلاح أخطر وأكثر فتكًا من الأسلحة والمخططات الكلاسيكية القديمة، إلا أن الكثيرين يشككون في فاعليته وتأثيره، ويعتبرون الكلام عنه بهذه الطريقة أضحوكة.
بعد دخول الإنترنت إلى العالم لم يعد هناك حاجة لسايكس بيكو، فكل ما يحتاجه الأمر القليل من الوقت حتى يتم بث الفرقة والانقسام بين الشعوب، وبعدها سيتكفل القليل من السلاح بتنفيذ سايكس بيكو وبلفور بيد الشعوب نفسها، وهذا السلاح الفتاك تستحوذ عليه أمريكا وتدير كل ما فيه، لا قوانين تسري في هذا العالم الافتراضي، ولا أحد يستطيع الاعتراض، فالإنترنت “خدمة دون مقابل” حسب تعريف واشنطن، ولكنه في الحقيقة ليس إلا “سلاحا دون تكلفة”.
تستخدم أمريكا الإنترنت لتقسيم الشعوب ونزع روح الوحدة منها، فهذا موقعٌ لتكفير المسلمين، وتلك صفحةٌ تعتدي على المقدسات، وهنا تيارٌ سياسي ينتقم من حزبٍ آخر، وبين هذا وذاك يبدأ فتيل الخلاف بين المذاهب والطوائف والسياسيين في البلاد، عندها تقدم أمريكا مخططاتها للشعوب، فتأتي لتستعمر الدول وتقسم الشعوب ولكن تحت مسمى “المنقذ”، وهذه المرة لا وجود لسايكس بيكو، كما أن استئثار واشنطن بالإنترنت جعلها قادرة على التجسس على الدول وانتهاك خصوصياتها، فالقانون الأمريكي يسمح لمزودي خدمة الإنترنت بمشاركة المحتوى مع الحكومة، وأما ما يتعلق بالأجانب فقد أكد أوباما علنًا أنه “طبقًا للقوانين يقوم رجال الاستخبارات بمراقبة المُشاركات على الشبكات الاجتماعية”.
وفي هذا السياق كشف “إدوارد سنودن”، عميل الـCIA ، عن برنامج التجسس الأمريكي على الاتصالات والإنترنت المعروف بـ”بريزم”، ولا يقتصر التجسس الأمريكي على الأفراد العاديين، بل يشمل كبار سياسيي وقيادات الدول، ولم يمضِ الكثير على فضيحة التجسس الأمريكي على المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، بالإضافة إلى التجسس على كبار المسؤولين الفرنسيين من بينهم الرئيس “فرانسوا هولاند”.
ولا عجب إذا اتهمنا أمريكا بدعم الإرهاب مجازيًا وذلك من خلال السماح للجماعات التكفيرية بنشر فكرها واستقطاب مقاتلين جدد من شتى البلدان، كما حصل في إسبانيا، والعديد من الدول الغربية، حتى أن المنسق الأمريكي للتحالف الدولي الجنرال “جون آلن” اعترف بأن لتنظيم داعش الإرهابي نشاطا في المجال الافتراضي عبر الشبكة، كما أننا نشاهد كيف تسمح واشنطن بالمواقع المؤيدة لتنظيم داعش الإرهابي أن تنشط، بالإضافة إلى عدم حذف فيديوهات التنظيم وعمليات الإعدام التي يقوم بها، وبهذا تكون واشنطن شريكة في نشر الإرهاب وبث الذعر في قلوب الشعوب، وتهدف أمريكا من خلال هذا إلى دفع الشعوب في المنطقة إلى الاستنجاد بالجيش الأمريكي.
في المقابل باتت هنالك دول كثيرة تدرك خطورة الإنترنت الأمريكي، ولهذا بدأ العالم يشهد محاولات استبدال الشبكة الأمريكية بشبكات محلية معزولة عن الشبكة العالمية، وتعتبر كوريا الشمالية هي النموذج الأوضح لحالة الإنترنت المحلية، حيث قامت الحكومة هناك في عام 2010 بإنشاء شبكة إنترنت محلية، وسبقتها فقط كوبا وإن كانت متصلة بالإنترنت بالإضافة إلى شبكتها المحلية، بالإضافة إلى العديد من الدول التي تسعى إلى إنشاء شبكات محلية تحررًا من الهيمنة الأمريكية، إذ طلبت “ديلما روزيف” الرئيسة البرازيلية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2013 باقي الدول الأعضاء بالخروج من الإنترنت وإنشاء شبكات محلية ذات سيادة، ويأتي طلب “روزيف” هذا عقب معلومات عن تجسس الأمريكان على بريدها الإلكتروني.
هذه المعطيات تشير إلى أن العالم بات يدرك الهيمنة الأمريكية على شبكة الإنترنت، وبات انتهاك واشنطن لقوانين الخصوصية وقوانين الحريات العامة أمرًا علنيًا يتحدث عنه أوباما شخصيًا، وهذا ما يتطلب من المجتمع الدولي التحرك بجدية لوضع حدٍ لهذا السلاح الفتاك الموجه ضد الشعوب والأمم.
المصدر / الوقت