تمدّد داعش في أفغانستان: الحقيقة و ما خلف الستار
لطالما كانت الخلافات منشأً لتأسيس الجماعات التكفيرية بدءاً من القاعدة وطالبان في أفغانستان مروراً بداعش والنصرة في سوريا والعراق، و وصولاً إلى داعش في أفغانستان أيضاً حيث يحذو التنظيم حذو أسلافه، مستغلاً الخلافات الداخلية في حركة طالبان بين “الملا أختر منصور” زعيم طالبان الجديد “خليفة الملا عمر” و “الملا محمد رسول” زعيم “المجلس الأعلى لإمارة أفغانستان الإسلامية”، المجموعة المنفصلة عن الحركة إثر خلافات البيعة بين الرجلين.
حتى الأمس القريب، كانت حركة طالبان هي الحركة الأفغانية الوحيدة التي لم تجرب أي انقسام داخلي، إلا أن التطورات الاخيرة التي ظهرت للعلن مع الإعلان عن وفاة “الملا عمر” أثرت بشكل واضح على الحركة، حيث يمكننا الآن تقسيم كعكة طالبان إلى أربع أقسام رئيسية: مجموعة “الملا أختر منصور”، مجموعة “الملا محمد رسول”، مجموعة “الملا منصور داد الله” وتنظيم داعش الإرهابي.
وفي تفاصيل الواقع الأفغاني، شكّل إمتناع عدد من قادة طالبان من أمثال “الملا محمد حسن رحماني”، و”الملا عبدالرزاق”، و”الملا محمد رسول” عن مبايعة “الملا أختر منصور” ضربة قويّة للحركة، مما دفع بالمساعد المقرب “للملا عمر”، “محمد رسول”، إلى إعلان نفسه “أميرا للمؤمنين” في ولاية فرح بغرب أفغانستان. لم تنقسم الكعكة الأفغانية إلى شطرين فحسب، بل زاد الخلاف بين “الملا أختر منصور” و”الملا منصور دادالله” من طينة طالبان بلّة حيث أعلن الأخير إنفصاله من حركة طالبان، مما دفع بالأول لإتهام “منصور دادالله ” بالتواصل مع تنظيم داعش عبر التعاون مع مجموعة المقاتلين الأوزبيك المقرّبة من داعش. وأما بالنسبة للخلاف بين “الملا أختر منصور” و”الملا منصور دادالله”، فيتهم الأخير الحركة بقتل أخيه “الملا داد الله”.
الشطر الأخير في كعكة طالبان يتمثّل بتنظيم داعش الإرهابي، بأوجهه المختلفة، حيث إضافة إلى المجموعات المختلفة التي تتواصل مع قيادات داعش في سوريا والعراق، يُشكّل المقاتلين الأوزبيك في ولاية زابل، ومن قبيلة أوركزاي للمناطق القبلية الباكستانية في ولاية ننكرهار الأفغانية، العمود الفقري لداعش هناك، وفق مراقبين، وقد عادت هذه المجموعات إلى أفغانستان مجدّداً إثر العملية العسكرية التي أطلق عليها الجيش الباكستاني”ضرب العضب” في أغسطس/آب الماضي في مقاطعة وزيرستان القبلية الباكستانية، بعد أن غادرت أفغانستان قبل سنوات إثر سقوط حكومة طالبان.
اليوم، ورغم ان الكثير من علماء طالبان يؤيدون “الملا أختر منصور” حيث حصل على “بيعة” غالبية الولاة، والقادة والجسم العسكري في الحركة، إضافةً إلى أن “عائلة الملاعمر” رغم إنتقادها على كيفية إختيار “الملا منصور”، إلتزمت الصمت و فضّلت عدم الدخول في خلافات الحركة الداخلية مما عزّز موقف “الملا أختر منصور”، ولكن هذا لا يعني عدم تأثير هذه الخلافات عل مصير الحركة و واقعها هناك.
على وقع هذه الخلافات وجد تنظيم داعش الإرهابي طريقه في رحلة “البقاء والتمدّد” إلى أفغانستان حيث من المتوقّع أن تعزّز مجموعات داعش مستقبلياً صفوفها هناك، وهذا ما يفعله تنظيم داعش الإرهابي، عملياً، في أفغانستان حيث بدأ ببث إذاعة خاصة به في أفغانستان (صوت الخلافة) على موجة (إف إم)، على غرار ما فعله عقب الاستيلاء على مدينة الموصل العراقية، حيث حيث أطلق التنظيم إذاعة “البيان”.
إن هذ الإذاعات الموجهة التي أنشأها التنظيم في ولاية “ننكرهار” شرقي أفغانستان، وتغطي مناطق واسعة النطاق في مدينة جلال آباد ومناطق أخرى من إقليم ننكرهار، تعزّز الشرخ مع تنظيم القاعدة في معقله وتحمل الكثير من الدلالات الصراعية بين داعش وطالبان لكسب أكبر عدد من المؤيدين والأنصار، إضافةً إلى سعي التنظيم لإقامة قاعدة إقليمية له في جلال آباد، عاصمة إقليم ننكرهار .
لا شك في أن هذه الخلافات ستلقي بظلاها واسعاً على واقع الشعب الأفغاني، ففي حين يرى البعض ان هذا الانفصال سيشكل بداية ضعف لحركة طالبان، وبذلك قد يتجه البلد نحو السلام، ولكن الواقع يؤكد العكس تماماً لأن انقسام الحركة إلى مجموعات كثيرة، يعرقل عملية السلام كثيرا، وهو الأمر الذي قد تستغله الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية المتواجدة هناك لضرب المجموعات ببعضها مما يعني دفع الثمن من قبل الشعب، لا أحداً غيره.
في الخلاصة، تؤكد الخطوة الأخيرة ضعف حكومة الرئيس “أشرف غني” في مواجهة الإرهاب في ظل إمتلاك داعش استراتيجية إعلامية دعائية شاملة، تجمع ما بين تنوع الأدوات وتعددها، وملائمة الرسائل ومضامينها، وهو ما قد تدعمه واشنطن وحلفائها لغايات عدّة أبرزها جلب هؤلاء المقاتلين إلى سوريا والعراق، و ربّما الزحف بهم إلى عدّة مناطق في آسيا، أبرزها مخافظة “سينكيانك” الصينية.
المصدر/ الوقت