الأرجنتين: مظاهراتٌ ضد رئيسٍ يفتقد للأغلبية الشعبية والسياسية
يبدو أن الأرجنتين تسير نحو الإنفجار الداخلي، لا سيما بعد أن وصل الى الحكم “ماوريسيو ماكري” رجل المال والأعمال، والبعيد عن الطبقة الإجتماعية الفقيرة. فهو على الرغم من وعوده، ينتهج سياسةً تهدف لبناء تعاونٍ مُذل مع واشنطن، سيُغرق البلاد بالسياسة الأمريكية، وذلك لأهداف يقول أنها ستُحسن من العلاقة الإقتصادية للأرجنتين مع الصناديق الإستثمارية في نيويورك. وهو الأمر الذي يبدو أنه لقي رفضاً من قبل الشعب الأرجنتيني. فماذا في المشهد الأرجنتيني الثائر على سياسات الرئيس الجديد؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟
شهدت شوارع العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، والعديد من المدن الرئيسية، مظاهرات حاشدة احتجاجا على قرار الرئيس “موريسيو ماكري” بتعديل قانون الإعلام الصادر في عام ٢٠٠٩، بقانون جديد يُخضع البث المرئي والمسموع لإشراف وزارة الإتصالات . وحمل آلاف المتظاهرين لافتات تندد بقرار الرئيس، وتحمل شعارات “ارفعوا أيديكم عن الإعلام”، معتبرين أن قرار الرئيس “ماكري” مخالف للدستور الوطني، ولم يتم التصويت عليه في الكونجرس. وشارك في التظاهرات العديد من قادة المعارضة الأرجنتينية ونواب في البرلمان، والمرشح الرئاسي السابق “دانيال سيولي”. وانضم للتظاهرات وزير الإقتصاد السابق “أكسل كليوف”، المحافظ السابق للعاصمة والرئيس التنفيذي للخطوط الجوية الأرجنتينية “ماريانو ريكالدي”، وقال “ريكالدي”: “إننا لن نسمح للرئيس بتعديل أي قانون، ولا لعودة مراسم الطوارئ التي يسعى إليها “ماكري”.
من جهةٍ أخرى دارت صدامات عنيفة بين الشرطة الأرجنتينية ومتظاهرين قطعوا على مدى خمسة أيام جزءاً من الطريق المؤدية الى أكبر مطار في البلاد، لكن الشرطة تمكنت في النهاية من تفريقهم مستخدمة خراطيم المياه والرصاص المطاطي مما أدى لإصابة العديد منهم بجروح . وصباح الثلاثاء المنصرم، نفذ حوالى ٢٥٠ عنصرا من قوات مكافحة الشغب مزودين بخراطيم مياه عملية امنية لفتح الطريق السريع المؤدية الى مطار ايزيزا الدولي قرب بوينوس ايرس والتي كان المتظاهرون يقطعونها جزئيا منذ خمسة أيام . ولدى تدخل الشرطة دارت صدمات بينها وبين المتظاهرين الذي رفضوا الإستجابة لأوامر فض التظاهرة ورشقوا عناصر الشرطة بالحجارة فرد هؤلاء باستخدام خراطيم المياه وإطلاق الرصاص المطاطي .
ومنذ الأسبوع الماضي نزل عمال في شركة الدواجن المحلية “كريستا روخا” الى الطريق السريع المؤدي الى المطار للتظاهر احتجاجاً على عدم دفع رواتبهم ونفذوا اعتصاماً مفتوحا قطعواً خلاله جزءا من الطريق . ولكن السلطات قررت الثلاثاء انهاء الإعتصام وفتح الطريق تنفيذاً لسياسة الرئيس الجديد “ماوريسيو ماكري” الذي اصدر اوامر مشددة بمنع قطع الطرقات . وندد المتظاهرون بما اعتبروه “قمعاً وحشياً” تعرضوا له على ايدي الشرطة . ويكرس إخلاء الشرطة بالقوة لطريق المطار دخول القرارات التي اتخذها ماكري حيز التنفيذ والقاضية بمنع قطع أي طريق.
وهنا فإن السياسة التي ينتهجها “ماكري” على الرغم من أنه سعى لطمأنة الشعب خلال تسلمه مهامه الرئاسية، هي سياسة غير مُرحب بها على الصعيد الداخلي. وهنا نُشير للتالي:
– حاول “ماكري” طمأنة مواطنيه الذين يخشون تدابير إقتصادية مؤلمة، لكنه قام بفرض سياساتٍ لا داع للغوص في تفاصيلها، لكنها ساهمت في رفع التضخم المالي ٣٠ %. وهذا ما جاء نتيجة لقرار “ماكري” السماح بتعويم “البيزو” بينما يدعم البنك المركزي العملة الوطنية في مواجهة الدولار، مما أدى الى زيادة التضخم .
– ومن الأمور التي يجب الإلتفات إليها هي أن الرئيس الحالي، جاء من أوساط المال والأعمال، وهو إبن مليارديرٍ إيطالي. كما أنه لم يفز في الإنتخابات الرئاسية بطريقة مُلفتة إذ أن الفرق بينه وبين المرشح المعارض حالياً “دانيال سكيولي” كان ٢ % فقط.
– بالإضافة الى كل ذلك، فإن من التحديات التي يواجهها الرئيس الجديد هو حكم الأرجنتين بدون أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، مما يفرض عليه بناء تحالفات ليحصل على دعم حكام ولايات ونواب و أعضاء في مجلس الشيوخ .
إذن لا يتمتع الرئيس الجديد بالقوة على الصعيدين الشعبي و السياسي الداخلي، فيما يؤكد الرئيس أن أولى مبادراته ستكون بدء محادثات في نيويورك لحل النزاع بين الأرجنتين والصناديق الإستثمارية حول بقايا الديون . مما يعني الإنصياع للسياسة الأمريكية خدمةً للمصالح الإقتصادية. وهو الأمر الذي يرفضه الداخل الأرجنتيني. فيما يبدو واضحاً المنحى الجديد للسياسة الأرجنتينية والذي يحاول التماشي مع الرغبات الأمريكية، لا سيما من خلال رفض الحكومة الجديدة إحياء الإتفاقية الموقعة مع إيران عام ٢٠١٣ لحل لغز تفجير ١٩٩٤، كما أن مسألة محاولات التدخل في سياسة فنزويلا بدت واضحةً من خلال دعوة الرئيس الأرجنتيني ماكري الى تجميد عضوية فنزويلا في تكتل تجاري إقليمي، وهو ما أثار استياء فنزويلا.
المصدر / الوقت