تركيا و الموصل؛ داعش أعاد الحلم القديم
تتصاعد وتيرة الخلافات بين بغداد وأنقرة الرافضة لسحب قواتها من العراق، و رغم تكرر المطالب العراقية والدولية بانسحاب الجيش التركي من الأراضي العراقية، إلا أن أنقرة لا تزال تعتمد سياسة التجاهل مرة، والإصرار مرةً أخرى، وعندما هدد وزير الخارجية العراقي “إبراهيم الجعفري” باستخدام القوة ضد القوات التركية المتواجدة شمال العراق، رد رئيس الوزراء التركي بأنه على العراق استخدام القوة ضد تنظيم داعش الإرهابي.
هذا الإصرار الذي تبديه تركيا على إبقاء قواتها في العراق ليس لتدريب القوات العراقية ضد داعش كما تدعي أنقرة، فرغم مضي وقت ليس بالقليل على دخول هذه القوات إلى الأراضي العراقية لم نشهد أي مشروع تدريب للقوات العراقية التي لم تطلب أي شيء من هذا القبيل، كما أننا لم نسمع عن أي عمليات عسكرية نفذتها القوات التركية ضد تنظيم داعش الإرهابي، وهذا ما يثير التساؤلات حول أهداف تركيا من تواجد قواتها بالقرب من الموصل، ويمكن تفسير هذه الأهداف بما يلي:
أولا: معروفٌ عن تركيا تقديمها الدعم اللوجستي لتنظيم داعش الإرهابي، وكذلك استيراد النفط السوري والعراقي من هذا التنظيم، ولكن بعد انكشاف هذه الأوراق في المحافل الدولية ودخول روسيا الحرب ضد داعش، أصبح التعامل مع التنظيم الإرهابي أكثر خطورة لأنقرة، ولهذا أقدمت تركيا على اجتياح الأراضي العراقية لتجعل من هذه المبادلات أكثر أمنًا، فالقوات التركية أصبحت أقرب من داعش، وبالتالي يمكن إنجاز هذه التبادلات بسرية وبعيدًا عن أعين طائرات التجسس.
ثانيًا: إذا ما قلبنا صفحات التاريخ سنجد أنه في فترة الاحتلال البريطاني للعراق كان هناك تنازع شديد على الموصل بين العثمانيين والبريطانيين، وفي عام 1923 تم توقيع معاهدة لوزان التي تنص على حل النزاع بين الطرفين سلميًا، وفي حال فشلا ستحال القضية إلى عصبة الأمم المتحدة، وفعلا هذا ما حدث، ورغم أن عصبة الأمم أقرت عام 1925 بأن الموصل جزء من العراق، إلا أن تركيا آنذاك رفضت القرار، ولكن الضغط الدولي اجبرها على القبول به عام 1926.
وهذه اللمحة الوجيزة تشير إلى الأطماع التركية بالموصل، وهذا مايشكل أحد أهداف تواجد القوات التركية في العراق، فأنقرة تحاول أن تضع يدها على الموصل من خلال التفاهم مع تنظيم داعش الإرهابي، أي أنها ترغب في أن ترث الموصل عن داعش، وما يشجعها على ذلك الغنى النفطي الذي تتمتع به هذه المنطقة.
ثالثًا: في حال فشل المخطط السابق أو كانت الظروف غير مناسبة لتحقيقه ستلجأ تركيا إلى تدريب قوات من أهل السنة ليسيطروا على هذه المنطقة، أي سيصبح العراق ثلاث أقاليم؛ إقليم كردي، وإقليم سني، و آخر شيعي، و من البديهي أن يكون الإقليم السني تابعًا لأنقرة التي ساهمت في تأسيسه ووضع حجر الأساس له، وبالتالي سيكون هذا الإقليم مسيرًا للمنافع التركية في العراق، كما أن تركيا ستستفيد من النفط المتواجد في هذا الإقليم.
ترى تركيا في إنشاء إقليمٍ سني خيارًا قابلا للتنفيذ، وخاصة أن دولا عربية تدعم هذه الفكرة وترحب بها، كالسعودية وقطر والإمارات، وهذا ما يعطي أنقرة المزيد من الشجاعة لتنفيذ مشروعها، ولكن رغم هذا فإن أنقرة لم تحسب حساب العراق الذي فهم اللعبة جيدًا فبات إصراره على رحيل القوات التركية أكثر وأكثر، كما أن الشعب العراقي وحكومة بغداد لن يسمحوا بمساس وحدة العراق واستقلال أراضيه، بالإضافة إلى أن حلفاء العراق وعلى رأسهم طهران يرفضون أي مشروع لتقسيم البلاد وهم جاهزون لتقديم المستحيل لإفشاله.
مخططات أنقرة وانتهاكها لسيادة العراق وسعيها لأن تكون الوريث الشرعي لداعش في الموصل سيؤدي إلى توتير أوضاع المنطقة في الوقت الراهن وفي المستقبل أيضًا، وسيدفع الدول الإسلامية إلى نزاعات تدخل الشرق الأوسط في نفق مظلم يدمر البلاد والعباد، ولكن رغم إصرار أنقرة وسعيها الدؤوب لتحقيق حلمها، إلا أن ما عجزت عنه في عشرينات القرن الماضي لن تحققه اليوم أبدًا.
المصدر / الوقت