مفاوضات جنيف في ظل «ترويكا المحاور» السورية
تجري ترتيبات «الجدول الزمني» للمحادثات السورية-السورية المقرّرة في الـ25 من الشهر الحالي على قدم وساق، حيث أبدى وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال استقباله موفد الأمم المتحدة الى سوريا ستيفان دي ميستورا «إستعداد بلاده للمشاركة في اجتماعات جنيف فى الموعد المقترح».
لقاء المعلّم- دي ميستورار، جاء بعد زياة الأخير للرياض قبل توجّهه إلى دمشق، كما أنه من المقّر أن ينتقل إلى طهران لإستكمال الترتيبات الإقليمية لحوار جنيف المرتقب إثر «خارطة الطريق» التي أقرّت في مجلس الأمن في 19 كانون الأول وتضمّنت قراراً ببدء المفاوضات بين الحكومة والمعارضة في كانون الثاني.
ترتيبات دي مستورا، قد لا تكون كافية لإنهاء الأزمة السورية في حال بروز أي تعارض بين «ترويكا المحاور» السورية؛ الدولية، الإقليمية والداخلية. دولياً في حال بروز أي خلاف بين كل من روسيا وأمريكا حول مصير الأزمة فإن مفاوضات «جنيف» ستنسف من جذورها. يشكّل هذا المحور ركيزة أساسيّة في المفاوضات بسبب ، مشاركة كل دولة عسكرياً في المشهد السوري من ناحية، وسيطرة موسكو وواشنطن على المشهد الدولي ومجلس الأمن من ناحية آخرى، خاصّة أن كل من موسكو وواشنطن تملكان حق النقض «الفيتو». كذلك، يعد أي خلاف بين الدول والتيارات الإقليمية الفاعلة التي تنقسم هي الآخرى إلى محورين رئيسيين الأول إيراني لبناني (حزب الله)، الآخر سعودي تركي. تنطلق أهمية هذا المحور من قدرته الميدانية الضخمة، فالحل السياسي يبقى «حبراً على ورق» ما لم يقترن بالميدان. بعبارة آخرى، إن القدرة الميدانية لأجزاء هذه المحور، سواؤ المباشرة وغير المباشرة تمتلك حصّة كبيرة من أسباب نجاح المفاوضات السورية.
لا يمكن حصر دائرة التأثير بالمحورين الإقليمي والدولي، فإستقرار الوضع الداخلي شريك أساسي في نجاح المفاوضات أو «فرطها»، فرغم أن العديد من الفصائل الإرهابية المسلحة لا تعدو عن كونها «حجر شطرنج» في أيدي مراكز قراراتها الإقليمية والدولية، تلعب هذه الفصائل في إقتتالها الداخلي أو هجماتها على الحكومة والشعب دوراً اساسياً في رسم تفاصيل المشهد السوري، لأن «خارطة الطريق» تتضمن جملة من التعهدات أبرزها، وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهراً، من دون أن يذكر مصير الرئيس السوري بشار الاسد، النقطة الخلافية الأبرز محور مختلف المحاور.
حالياً، هناك تخوّف من أن تؤثر الأزمة الأخيرة بين طهران والسعودية على موعد أو تفاصيل المفاوضات السورية- السورية، إلا أن السعودية التي عمدت إلى إستغلال حادثة السفارة للتصويب على طهران إقليمياً ودولياً من ناحية، والتغطية على جريمة إغتيال الشيخ النمر من ناحية آخرى من المستبعد أن تضع نفسها «رأس الحربة». بل سنشاهد، ما لمسناه في تفاصيل المفاوضات اليمينة، ولكن بنكهة سورية هذه المرّة، فتارة يتم تأخير موعد المفاوضات، تماماً كما يفعل الرئيس هادي المنتهية ولايته بأوامر سعودية، وآخرى «تنفرط» الطاولة بسبب إنسحاب هذا الفصيل أو ذاك عند الخلاف على النقاط المقرّرة الإتفاق عليها.
مشكلة الرياض أنها لا تدرك فن المفاوضات من ناحية، وليست قادرة على فرض معادلاتها من ناحية ثانية، فواشنطن، تماماً كما الرياض، تريد تمرير مشاريعها في سوريا، إلا انها تدرك كيفية التعاطي مع أطروحات الطرف المقابل وربّما الإلتفاف عليها وتجييرها لصالحها. في الحقيقة، قد يصح التقسيم الثلاثي أعلاه بجزء كبير منه، إلا أن التقسيم الفعلي في حال قرّرت واشنطن أو روسيا إتخاذ قرار حازم بإنهاء الأزمة يغدو ثنائياً؛ الأول روسي سوري إيراني وحزب الله، والآخر أمريكي وتركي. وأما بالنسبة للنقاط الخلافية، فمصيرالرئيس الأسد سيشكل أرضية خصبة للخلافات على الطاولة في حال إصرار كل طرف على آرائه.
ربّما يكون لطاولة المفاوضات أثارها على المشهد السوري، إلا أن ما نشاهده اليوم من قبل الأطراف الوازنة إستكمال مشروعها في ضرب تنظيم داعش الإرهابي على الساحة السورية، كما أن أمريكا تعمد حالياً لتقوية علاقاتها من الأكراد شمال سوريا ما يعني الإستفادة من هذه الورقة في مرحلة ما بعد داعش في إطار المشروع التقسيمي للمنطقة.
نسأل الله أن يتغمّد الشعب السوري بواسع رحمته، ويجعل همومهم على رأس أولويات كافّة الأطراف، سواء الحكومة أو المعارضة، فقد كفانا قتلاً ودماراً وتهجيراً طيلة السنوات الماضية التي جعلت ربيع أيامنا خريفاً، وجزءاً كبيراً من شبابنا «خرافاً» لهذه الدولة أو تلك.
المصدر / الوقت