التوتر بين السعودية وإيران والمصالح الغربية
بعد جريمة إعدام عالم الدين الشيخ نمر باقر النمر على يد السلطات السعودية، والإحتجاجات الشعبية والرسمية الواسعة التي شهدتها إيران تنديداً بهذه الجريمة وما رافقها من إقتحام بعض المواطنيين الإيرانيين لسفارة الرياض في طهران ومن ثم قيام السعودية بقطع علاقاتها مع إيران على خلفية هذه الأزمة برزت إلى السطح مسائل عدّة تستحق التوقف عندها وتسليط الضوء عليها لما لها من أهمية استراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي وعلى المديين القريب والبعيد.
من هذه المسائل المواقف الغربية التي صاحبت هذه الأزمة وما يمكن أن تتمخض عنها في ظل الأزمات المتعددة التي تشهدها المنطقة وفي مقدمتها الأزمة السورية والعدوان السعودي على اليمن ومخاطر الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي تهدد الأمن والاستقرار في العديد من دول المنطقة لاسيّما في العراق وسوريا.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن التوتر بين السعودية وإيران ليس وليد الساعة؛ بل له تاريخ طويل ليس آخره موقف الرياض المعارض للإتفاق النووي بين طهران والسداسية الدولية (مجموعة 5+1) والذي تمكنت إيران من خلاله إنتزاع حقها المشروع في إمتلاك التقنية السلمية ورفع الحظر المفروض عليها في القريب العاجل.
ومن المعلوم إن الإتفاق النووي بين طهران والسداسية يرتبط بشكل مباشر بمصالح الدول الغربية وعلى رأسها امريكا في المنطقة، ولهذا من غير المعقول أن تقف هذه الدول مكتوفة الأيدي إزاء أي خطر يهدد هذه المصالح خصوصاً بعد فشل الإدارة الأمريكية في التوصل إلى تسوية القضية الفلسطينية عن طريق المفاوضات بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية.
كما تجدر الاشارة إلى أن الإتفاق النووي ما كان ليتم لولا نجاح الدبلوماسية الإيرانية في إقناع الدول الغربية بأهمية هذا الإتفاق في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين على كافة المستويات وهو ما أغاض السعودية وأطراف أخرى حليفة لها في المنطقة لشعورها بأن هذا الإتفاق سيساهم في تقوية دور إيران السياسي والاقتصادي إقليمياً ودولياً، ولهذا يعتقد معظم المراقبين بأن محاولات السعودية الأخيرة لتصعيد الموقف مع إيران والذي تجلت بوضوح في قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران يهدف في الحقيقة إلى تشكيل جبهة جديدة للتحرك سياسياً واعلامياً باتجاه منع تنفيذ بنود الإتفاق النووي وحرمان إيران من حقها في تطوير برنامجها النووي السلمي وإبقاء الحظر المفروض عليها مدة أطول.
والتساؤل المطروح: هل تتمكن السعودية من إفشال الإتفاق النووي بين طهران والسداسية، وهل سيستجيب الغرب ويتضامن معها لتحقيق هذا الهدف؟
للإجابة عن هذا التساؤل ينبغي الاشارة إلى ما يلي:
1- يعلم الجميع أن الغرب لم يوقع الإتفاق النووي إلاّ بعد أن تيقن بأن هذا الإتفاق يصب في مصلحته كما يصب في مصلحة إيران، وهذا الأمر ظهر بوضوح من خلال الزيارات الكثيرة التي قام بها مسؤولون غربيون رفيعو المستوى إلى طهران لتوقيع إتفاقيات اقتصادية وتجارية كبيرة مع نظرائهم الإيرانيين على أن يتم البدء بتنفيذها فور رفع الحظر المفروض على إيران، وهذا في حقيقته يعطي رسالة واضحة بأنه من غير المعقول أن تتغاضى الدول الغربية عن هذه المصالح لمجرد إن السعودية أو أي طرف آخر في المنطقة غير راضٍ عن الإتفاق النووي.
2 – بذل الرئيس الأمريكي باراك أوباما جهوداً حثيثة لإقناع الكونغرس الأمريكي بالموافقة على توقيع الإتفاق النووي مع إيران بإعتباره يمثل مكسباً سياسياً كبيراً لإدارته التي شارف وقتها على الانتهاء. ومن هنا يمكن القول بأنه من غير المعقول أيضاً أن يرضى أوباما وإدارته بضياع هذا الإنجاز من أجل سواد عيون الأسرة الحاكمة في السعودية أو غيرها من الأطراف في المنطقة وفي مقدمتها الكيان الإسرائيلي الذي سعى أيضاً لمنع إبرام الإتفاق النووي بكل الوسائل إلاّ أنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق ذلك.
3 – إبتعاد الرياض نسبياً عن العواصم الغربية في السنوات الأخيرة نتيجة الإنتقادات المتكررة لكثير من المسؤوليين الغربيين لإنتهاكات حقوق الانسان في السعودية ودعمها للجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة، وهو ما تسبب أيضاً بخلق فجوة في العلاقات بين الجانبين، خصوصاً بعد توجه الرياض لتقوية علاقاتها مع موسكو والتي برزت بشكل واضح خلال زيارة ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع محمد بن الملك سلمان إلى روسيا ولقائه برئيسها فلاديمير بوتين والتي تمخضت عن إبرام صفقات بيع أسلحة روسية متطورة إلى السعودية بمليارات الدولارات.
4 – يدرك الغرب جيداً أهمية الدور الذي تلعبه إيران في السعي لحلحلة الأزمات في المنطقة لاسيّما الأزمة السورية، وهذا الأمر بإعتقاد معظم الخبراء يدعو المسؤوليين الغربيين إلى عدم التفريط بهذا الجانب لاسيّما وإنهم يعلمون كذلك بأن السعودية غير مؤهلة لإتخاذ قرارات مناسبة لتسوية هذه الأزمة، وبالتالي ليس من المنطقي السماح للرياض بتشديد التوتر مع طهران لإعتقادهم بأنه لا يصب في مصلحة بلدانهم ولا ينسجم مع إستراتيجياتها خصوصاً في الجانب الإقتصادي آخذين بنظر الإعتبار الفرص الثمينة التي وفّرها الإتفاق النووي لتعزيز هذه الإستراتيجية في المستقبل القريب.
ختاماً ينبغي التأكيد على أن محاولات الرياض وإجراءاتها الأخيرة سيّما قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران والتي أفضت إلى زيادة التوتر بين الجانبين لا يمكن أن تؤثر بشكل ملموس على مواقف الغرب ومساعيه للتقرب من إيران، ولهذا دعا الكثير من الخبراء والمحللين الدوليين سلطات السعودية لإعادة النظر بسياساتها والكفّ عن إفتعال الأزمات وعدم اللعب بالنار التي ستحرق أصابع آل سعود وتعجل بفنائهم، وهذا هو منطق التاريخ البعيد والقريب على حد سواء.
المصدر / الوقت