التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

بشار الأسد باقِ فی الحکم، فماذا عن ملک سلمان؟ 

قالت وثيقة تم تسريبها قبلت واشنطن ببقاء الرئيس “بشار الأسد” حتى آذار 2017. و الخارجیة الامریکیة زادت من قلق خصوم ” الاسد” بقولها: “إن توقيت رحيل الرئيس “بشار الأسد” ليس محدداً ضمن الرؤيا الأميركية” و نسيت واشنطن تصريحات سابقة كانت تؤكد منذ 5 سنوات على حتمية رحيل “الأسد” كشرط مسبق لأي حل. الحل سيكون إذاً مع الأسد، أما نهايته، فنرى لاحقاً. اسم “الأسد” غاب تماماً عن وثيقة الحل الدولي في فيينا. أما ترحيل الانتخابات الى 18 شهراً فهدفها هو تمرير مرحلة الرئيس باراك أوباما. هل ثمة أوضح من هذا للقول بأن “أوباما” تخلى عن الملف السوري لنظيره “فلاديمير بوتين”؟ أكيد لا يوجد أوضح.

وهكذا، فمع الإقرار الدولي ببقاء “الأسد” لأجل مسمى رسمياً وغير مسمى في الكواليس، تكون المملكة العربية السعودية قد خسرت فی سوریا. زاد في خسارتها أيضاً، مقتل رجلها العسكري في سوريا قائد ما یسمی ب”جيش الإسلام”؛ “زهران علوش”. اغتيالات كبيرة كهذه تتم عادة حين يبدأ تفاهم الكبار.
ثمة احتمالان في الأمر: فإما أن أميركا قابلة بإضعاف السعودية (من سوريا الى اليمن فالعراق ولبنان) بغية تطويع الجيل الجديد من الحكام في السعودية وإنتاج عرش جديد أكثر ملاءمة لها (هذا الارجح)، أو أنها باتت مغلوبة على أمرها.

لعل ما تريده واشنطن اليوم من السعودية تحسین سلوکها التي صارت في مكان ما تشكل عبئاً، خصوصاً منذ اعتراضها بقسوة على الاتفاق الإيراني الغربي ومحاولة إعاقته وفتح أسواقها للمصانع العسكرية الفرنسية. ازداد العبء كثيراً الآن، بعد المحاولات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي يتولاها خصوصاً “محمد بن سلمان” على أمل استنهاض مشروع عربي ضد الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة وفق ما يتسرب من توصيفات.

هذه المحاولات التي يقودها “محمد بن سلمان” كونه وزيراً للدفاع، تجعل حلفاء السعودیة الغربيين في موقف حرج. لأن يعتقد هؤلاء أن كل ضعف للسعودية يعني ازدياداً لنفوذ إيران.

لنتذكر أن أميركا تخلت عن حليفها المصري “حسني مبارك” حين فقد دوره في ضمان مصالحها وفي تأمين الاستقرار الداخلي، وتخلت عن حليفها التونسي لأسباب مماثلة.

ماذا تريد الإدارة الأميركية من السعودية؟

– من المعروف أن أصحاب القرار الأميركيين كانوا، و ربما لا يزالون، يفضلون ولي العهد “محمد بن نايف” على “محمد بن سلمان” ولي ولي العهد. الرجل معروف في أميركا. درس في الولايات المتحدة. عمل في مكافحة الإرهاب. أسس فكرة “المناصحة” لإقناع الإرهابيين بالتخلي عن أفكارهم المجنونة. حاصل على ثقة غربية عميقة، خصوصاً مذ صار نائباً لوزير الداخلية والعمل الطويل الى جانب والده الراحل “الأمير نايف”.

أما الأمير “محمد بن سلمان” ولي ولي العهد، فهو لم يدرس في أميركا، ولم يكن مؤهلاً لتولي منصب مؤثر نظراً لصغر سنه، ولم تكن المقالات والدراسات الأميركية الأولى بشأنه باعثة على الطمأنينة لجهة نزوعه نحو حل المشاكل بطرق أكثر صخباً ومغامرة. ثمة من قال إنه أول من سيحدث ثورة اقتصادية وأمنية وسياسية في السعودیة. وربما زمن الثورات هناك ليس مقبولاً بعد لا غربياً ولا خليجياً.
– إذا ما صدقت معلومات الكاتب الأميركي في الـ “واشنطن بوست”، “دايفد اغناتيوس”، في مقالته “عاصفة سياسية تجتاح السعودية”، فإن أميركا أعربت عن قلقها قبل فترة من عزل “سعد الجبري” أحد أبرز مستشاري “الأمير نايف”. تم العزل بعد عودة “الملك سلمان” ونجله “محمد” من واشنطن. قد يكون الأمر، وفق الأميركيين، مرتبطاً باعتراض “الجبري” على خطة حرب اليمن والقلق من صعود “القاعدة”. يضاف الى ذلك إبعاد “خالد الحميدان” من محيط “الأمير نايف”، وإعادة صياغة الديوان الملكي بغية تركيز القرار بين الملك ونجله.

– قبل فترة نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية رسالتين شديدتي اللهجة نسبتهما إلى أمير سعودي يطالب بإطاحة العرش الحالي. وقد اتصل به “اغناتيوس” نفسه وفهم أنه يرغب بإيصال “الأمير أحمد بن عبد العزيز” (73 عاماً) الى الحكم. أي عودة الحكم الى أبناء عبد العزيز. (لنتذكر قصة السديريين وغيرهم).

– حرب اليمن التي تكلف السعودية مليار دولار شهرياً، باتت عبئاً على المملكة والغرب معاً. كلما مرّ يوم جديد تضاعفت انتقادات منظمات حقوق الإنسان لسقوط أبرياء. ازداد انتشار “القاعدة” وتفاقمت محاولات الحوثيين اختراق الحدود السعودية. تضاعفت معها الضغوط على الغرب لوقف تلك الحرب التي لم تمنع الحوثيين، وفق الناطق السعودي، من اختراق او محاولة اختراق الحدود السعودية أكثر من 1000 مرة.

– عززت إدارة أوباما علاقاتها مع العراق بغية تسريع وتيرة السيطرة على الرمادي وغيره. منح هذا التعاون الجيش العراقي معنويات عالية وصار وزير الدفاع يتحدث عن معارك “لا مثيل لها”. لم يبق أمام السعودية في العراق سوى الاعتماد على بعثيين سابقين أو متشددين وتكفيريين لمواجهة ایران. هذا ما عاد على الأرجح مقبولاً أميركياً.

– سارعت أميركا الى الاتصال بإيران بعد إعدام “الشيخ نمر النمر”، ودعت الطرفين الى التهدئة، لكن الناطق باسم البيت الأبيض قال حرفياً: “إن أميركا عبّرت بشكل متكرر عن قلقها إزاء وضع حقوق الإنسان في السعودية، وحذرت الرياض في الآونة الأخيرة من عمليات الإعدام”.

– حاول الأمير “محمد بن سلمان” تهدئة المخاوف. أجرى مقابلة صحافية استبعد فيها كلياً الحرب مع إيران. بدت المقابلة كأنها محاولة لطمأنة عواصم الغرب التي أجمعت على القول إن إعدام “النمر” قد يزيد التوتر والتدهور. يقال إن المقابلة جاءت بناءً على طلب أميركي لتخفيف المخاوف. هذا ممكن ولكن ليس مؤكداً. يقال أيضاً إنها بدت كمحاولة لتحميل الأمير “محمد بن نايف” مسؤولية الإعدام كونه وزير الداخلية.

لا شك أن محاولات السعودية لتبوء دور قيادي عبر الاستنهاض العربي السني، لم تلقَ صدى حقيقياً كبيراً عند الدول المركزية ولا حتى عند بعض دول الخلیج الفارسی. صحيح أن مصر قريبة وتركيا تتقرب، لكن السعودية تعرف قبل غيرها أن هذه مجاملات لن يطول أمرها، وتعرف أيضاً أن دولاً أخرى مثل السودان وجيبوتي وجزر القمر والصومال تحركها حاجاتها الاقتصادية أكثر من أي شيء آخر، فهي الحاجات نفسها التي جعلتها أقرب الى إيران وتركيا في لحظة معينة.

الاقتصاد عامل قلق

ثم يأتي الاقتصاد ليضيف عوامل القلق. ها هو الأمير “محمد بن سلمان نفسه” يعلن عن أول تحول مفصلي عالمي في شركة “أرامكو” النفطية. ستباع بعض حصصها. هذه من أكبر شركات النفط العالمية. يقال إنها أكبرها. يصل احتياطها إلى 261 مليار برميل. رصيدها يتخطى 323 مليار دولار، أي أكثر بمرتين من احتياطي الشركة الأميركية العملاقة “أكسون موبيل”. هذا مؤشر على تغيير السلوك الاقتصادي الداخلي من جهة وعلى وجود أزمة اقتصادية فعلية.

ما عادت صحف السعودية نفسها تتردد في الكلام عن تراجع الاقتصاد. يقول الدكتور “فهد محمد بن جمعة” في صحيفة “الرياض” في 7 تموز الماضي: “إن معدل البطالة وصل الى 11.75 في المئة لعامين متتاليين، وذهب ضحيته 651.305 سعودي”. والمؤسسات العالمية، وفي مقدمها صندوق النقد الدولي، تحذر من مخاطر كبيرة ما لم تعد أسعار النفط الى الارتفاع. هنا أيضا ثمة أسئلة فعلية حول جدوى ضخ السعودية كميات كبيرة من النفط في العامين الماضيين. فإذا كان الأمر كما قالت روسيا وإيران موجهاً ضدهما، فهو أثّر سلباً أيضاً على النفط الأميركي وعلى ميزانية السعودية.

فهل آمریکا حالیا تعمل علی إضعاف عامل التفجير السعودي، عبر السعي لإبعاد الأمير “محمد بن سلمان” عن الحكم كما حصل قبله من خلال إبعاد الأمير بندر بن سلطان؟ او تكتفي بعمليات الترويض المعهودة؟

لا بد إذن من إعادة صياغة طبيعة الحكم في السعودية. هكذا يقول الأميركيون، وبينهم آخر مقالة في صحيفة “فورين افيرز” بقلم “ريتشارد سوكولسكي”.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق