الولايات المتحدة تضم أعلى نسبة مشردين في العالم بين الدول الصناعية
كما في كل مرة، تُصدر وزارة الخارجية الأمريكية تقارير الدولة حول ممارسات حقوق الإنسان، مُدلية بتعليقات حول أوضاع حقوق الإنسان في العديد من البلدان، دون أن تُظهر حقيقة سجلها الخاص والذي تفضحه الحقائق ليكون الأفظع في هذا المجال. وتُظهر الحقائق عبر الإحصائيات الأخيرة، أن أمريكا لم تشهد أي تحسُّن في قضايا حقوق الإنسان الموجودة لديها في العام 2014 وما بعده، في وقتٍ أظهرت فيه التقارير، العديد من المشاكل الجديدة. فكيف يمكن الإضاءة على هذه الحقائق؟ ولماذا تعتبر لوس أنجلوس نموذجاً؟
مختصرٌ حول التقارير بشكلٍ عام:
تعتبر أمريكا بلداً تحدث فيها جرائم العنف بشكل متكرر ما يهدد الحقوق المدنية للمواطنين. حيث أظهرت الإحصاءات بأن استخدام الأسلحة النارية في أمريكا كان وراء 69 % من جرائم القتل. الى جانب ذلك، تستخدم السلطات الأمريكية أساليب تعذيب قاسية دون تمييز. وقد أعربت مؤسسات معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مثل اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، ولجنة مناهضة التعذيب، عن تزايد قلقها إزاء قضايا معينة تحصل في أمريكا، بما في ذلك ظروف الإعتقال الرهيبة للمدانين في انتظار المحاكمة، وإساءة استخدام أساليب وحشية، الى جانب التصرفات الوحشية وإساءة استخدام القوة من قبل قوات الشرطة.
من جهةٍ أخرى فإن التمييز العنصري كان سمة أمريكا في التقارير. ففي آب عام 2014، وبحسب موقع “tbinternet.ohchr.org” انتقدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، السلطات الأمريكية في ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري لواشنطن بشأن تنفيذ الإتفاقية ذات الصلة، بسبب انتهاك حقوق الأقليات العرقية والسكان الأصليين، والمهاجرين والأقليات الأخرى.
أرقام تفضح الوضع الإجتماعي الهش في الولايات المتحدة
بالإضافة الى ما ذكرناه أعلاه، فقد ارتفعت مؤخراً أعداد الأطفال المشردين في الولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، إلى مستويات قياسية لم تشهدها البلاد من قبل، لتصل إلى واحد من بين 30 طفلاً، بحسب تقرير درس كل ولاية على حدة. وصدر آخر تقرير حول هذا الموضوع في أمريكا السنة الماضية والذي حمل عنوان “أطفال أمريكا المنبوذون” عن المركز الوطني للأسر المشردة، وهو جزء من المعهد الأمريكي للأبحاث الذي يعد منظمة خاصة غير ربحية. موضحاً أن أعداد الأطفال المشردين ارتفعت بنسبة 8% على الصعيد الوطني في الأعوام الأخيرة. كما أحصى التقرير نحو 2.5 مليون طفل مشرد خلال عام 2013، مستندا إلى أحدث إحصاءات وزارة التعليم التي أشارت إلى وجود 1.3 مليون طفل مشرد في المدارس العامة، وتكملها تقديرات الأطفال المشردين في دور رياض الأطفال الذين أحصتهم الوزارة. وأرجع التقرير أسباب الإرتفاع إلى تصاعد مستويات الفقر وعدم توافر المساكن منخفضة التكلفة والآثار المدمرة للعنف الأسري.
من جهةٍ أخرى كشف تقرير حكومي أمريكي، أن الولايات المتحدة تضم أعلى نسبة مشردين بين النساء والأطفال في العالم، بين نظيراتها من الدول الصناعية. وقال التقرير الذي أعدته وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية، بالتعاون مع جامعة “فاندربيلت” مؤخراً، إن عدد العائلات المشردة في الولايات المتحدة شهد ارتفاعًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، دون أن تبيّن عدد تلك العائلات أو نسبة الأطفال والنساء بينها. وبحسب مركز القانون الوطني لمكافحة التشرد والفقر “أمريكي غير حكومي”، فإن حوالي 3 ملايين شخص يعيشون تجربة التشرد سنويًا في أمريكا، بينهم مليون و350 ألفاً من الأطفال، كما أن مليوناً من العاملين بدوام كامل أو جزئي في الولايات المتحدة، لا يستطيعون تلبية تكلفة السكن.
لوس أنجلوس: نموذجٌ البؤس الأمريكي
تعتبر مدينة لوس أنجلوس نموذجاً للبؤس الأمريكي. فقد تزايدت أعداد المشردين فيها بنسبة 12 % في العامين المنصرمين، وسط تباطؤ التعافي الإقتصادي الذي أدى إلى مزيد من البؤس للسكان الأكثر فقراً في ثاني أكبر مدينة أميركية، وفقا لدراسة نشرت مؤخراً. وأشار تقرير هيئة رعاية المشردين في لوس أنجلوس إلى ركود الأجور أو تراجعها بين أصحاب الدخول الأدنى، وبقاء معدل البطالة المحلي عند مستويات أعلى من المتوسط على مستوى الولاية وعلى المستوى القومي.
وقال المدير التنفيذي للهيئة “بيتر لين”: “الإقتصاد تحسن لكن ليس للأشخاص الأكثر عرضة لمخاطر التشرد”. ووفقا للإحصاء الأحدث، الذي تجريه الهيئة كل عامين، فإن ما يقدر بحوالي 44300 شخص يعيشون في الشوارع أو في سيارات أو في مبان مهجورة أو في ملاجئ أو في “سكن انتقالي” تموله الحكومة في أي ليلة في لوس أنجلوس. ويزيد هذا الرقم – والذي يستند إلي إحصاء سكاني أُجري في كانون الثاني الماضي- بنسبة 12 بالمائة أو ما يقرب من خمسة آلاف شخص في أنحاء لوس أنجلوس مقارنة بالأعداد التي أعلنت في التقرير السابق الصادر عام 2013 . وارتفع عدد العائلات التي لديها أطفال التي يشملها الرقم الإجمالي للمشردين بنسبة 12 بالمائة عن عام 2013.
كما اقترح رئيس بلدية لوس أنجلوس “أريك غارسيتي” رفع الحد الأدنى للأجور الى جانب تأمين الخدمات والمساكن لأضعف الفئات في لوس أنجلوس، وذلك لمنع تزايد أعداد المشريدين في المدينة.
إذن لم يعد من السهل إدعاء أمريكا بأنها الدولة الأكثر تحضراً أو احتراماً لحقوق الإنسان. في وقتٍ يطغى عليها طابع العنف والجريمة، الى جانب الوضع الإجتماعي الخفي، والذي يطال ملايين المشردين بحسب التقارير الدولية. فيما تبقى لوس أنجلوس النموذج الأمثل للبؤس الأمريكي.
المصدر / الوقت