السياسة الروسية الذكية تجاه تركيا
بعد استهداف مقاتلة “سو24” الروسية في الأجواء السورية، والذي تحوّل إلی أزمة بين روسيا وتركيا، اعتمدت روسيا أسلوباً ذكياً جداً. ویمکن اعتبار لقاء وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” مع زعيم حزب الشعوب الديمقراطي “صلاح الدين دميرطاش”، في سیاق هذا الأسلوب الذكي. فبينما يعتقد بعض المحللين الروس أن إقامة روسيا لعلاقات مع معارضي أردوغان، ينبغي ألا تؤدي إلى العداء بين الحكومتين، التقی “سيرغي لافروف” وزير الخارجية الروسي في موسكو، “صلاح الدين دميرطاش” زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، الذي یعتبر معارض أردوغان الأول والمؤيد للأکراد. في أعقاب هذه الزيارة الهامة، یجب الانتباه إلى تصريحات “لافروف” الذكية في لقائه مع “دميرطاش” أیضاً، والتي يمكن أن نری نتيجتها في أحداث الأسابيع والأشهر المقبلة، حیث قال: “إننا نعلم جيداً أن أكراد العراق وسوريا یضحّون بحیاتهم للدفاع عن أراضيهم ضد الإرهابيين وخصوصاً تنظیم داعش. وروسيا مستعدة لتقدیم أي نوع من الدعم لهم. ومواقف حزب الشعوب الديمقراطي والأحزاب المعارضة الأخرى تلعب دوراً مساعداً جداً في تحقيق هذا الأمر. والأحزاب الديمقراطية التركية لها دورٌ هام في الوحدة الوطنية التركية، لأنها تعترف بحقوق جميع الأعراق”. وأشار وزير الخارجية الروسي في لقائه مع دميرطاش، أن العقوبات الاقتصادية لروسيا ضد تركيا لیست ضد شعب هذا البلد، وترتبط فقط بالسیاسة التصادمیة لأردوغان وحكومته.
وقال “دميرطاش” في هذا اللقاء أيضاً: “منذ اليوم الذي أعلنا فیه حضورنا كحزب، لم ندعُ قط إلی إضعاف العلاقات مع روسيا. إن إجراء الحكومة التركية ضد المقاتلة الروسية کان خاطئاً تماماً، ونحن نرفض رسمياً ما قام به “أردوغان”. العقوبات الروسیة ضد ترکیا، تلحق أضراراً برجال الأعمال والطلاب في بلدي. وأنا هنا کي لا أسمح بأن يحدث ذلك.”
وکان زعيم حزب الشعوب الديمقراطي قبل هذا اللقاء، قد قال في مقابلة مع قناة “اوزغور غون” التلفزيونية التركية: “إن السياسات الخاطئة لحزب العدالة والتنمية، هي التي أدت إلى نشوء التوتر مع روسيا. طبيعة التوتر مع روسيا خطیرة، سأذهب إلى موسكو لإجراء محادثات مع “لافروف” حول هذا الموضوع”.
من ناحية أخرى، وصف رئيس الوزراء التركي التصريحات التي أدلى بها زعيم حزب الشعوب الديمقراطي في روسيا، والتي قال فیها إن إسقاط المقاتلة الروسية من قبل تركيا کان خطأً، وصفها بالخائنة والفاضحة جداً! وإذ انتقد “أحمد داود أوغلو” الحزبین المعارضین، أي حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، اتهم هذین الحزبین بأنه عندما تتوتّر علاقات تركيا مع بعض الدول، فإنهما یقفان إلى جانب تلك الدول.
و “دميرطاش” هو أول مسؤول ترکي زار موسكو، بعد التوترات الأخيرة بين روسيا وتركيا. وقد صرح “سيرغي لافروف” في اجتماع مشترك مع “دميرطاش”: إن موقف موسكو تجاه هذا الإجراء الذي أقدمت علیه الحكومة التركية، لا ينطبق علی الشعب التركي بأي حال من الأحوال.
في الوقت نفسه ورداً علی تصريحات “داود أوغلو”، أعلن حزب الشعوب الديمقراطي في بيان له: إن وصف تصریحات “دميرطاش” في روسيا بالخائنة والفاضحة، أمرٌ غير مقبول.
لا شك أن هذا التقارب والتفاعل لا يخلو من غرض، وقد تمّ لذلك تخطيط طويل الأجل. ويبدو أن الدبلوماسية الروسية تجاه الأتراك لم تستهدف مجال العلاقات الخارجية فحسب، بل استهدفت المعادلات الداخلية للسلطة في تركيا أیضاً.
المصدر / الوقت