التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

انتفاضة الفلسطينية الثالثة، صدى مظلومیة وصمود الشعب 

تدخل الانتفاضة الثالثة للشعب الفلسطيني المظلوم شهرها الثالث، في حین أن الهيئات الدولية لحقوق الإنسان والتي رفعت الصوت عالیاً بعد مقتل عدد من الأمريكيین والأوروبيین، وملأت المساحات الإخبارية العالمية، لاذت بصمت رهيب. والأسوأ من كل ذلك أن الصمت العربي تجاه الجرائم الصهيونية یحزن قلب كل إنسان حر. وقادة آل سعود الذین یقدّمون أنفسهم بأنهم خادمو الحرمین الشریفین وممثلو الإسلام، دخلوا في صمت مُذلّ، ویبدو أن مسؤوليتهم تتلخّص في إبادة الشعب اليمني العربي الأعزل، ونشر الفتن في العالم الإسلامي وحماية أسوأ أنواع الإرهاب، مما أدى إلى قتل المسلمين وتدمير المدن والقرى.

منذ بداية الانتفاضة الثالثة في فلسطين في مطلع أكتوبر من هذا العام حتى الآن، استشهد أكثر من 140 فلسطينياً في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة علی ید القوات الإسرائيلية، 30 منهم من الأطفال والـ 5 الآخرون من النساء. وقد بلغ عدد الجرحى أكثر من 14000 شخص.

تواصل استراتيجية الإنتفاضة بما في ذلك الثورة الشعبية الواسعة النطاق في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، واستخدام كل الأدوات، بما في ذلك رمي الحجارة أو الزجاجات الحارقة واستخدام الأسلحة البيضاء أو دهس الصهاينة، قد يجبر في نهاية المطاف المحتلين علی مزيد من الانسحابات والانتكاسات. والفلسطينيون ومن أجل إحقاق حقوقهم الطبیعیة في تفكيك المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، إطلاق سراح السجناء، رفع الحصار عن غزة بشکل غير مشروط، الاعتراف بسيادة الفلسطينيين المادي والروحي علی المسجد الأقصى والقدس، والحفاظ على حرمة هذه الأماكن المقدسة، بحاجة إلى مواصلة المقاومة الشعبية، خاصةً عندما لا یخفی علی أحد زیف خيارات التسوية والتفاوض مع الأعداء لتحقیق الحقوق. ولا يمكن زوال الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية عن طريق التفاوض، وذلك في حین یبدو جلیاً وواضحاً دور القوى الكبرى الغربية ولا سيما أمريكا في دعم جرائم الکیان الإسرائیلي في فلسطين.

لمحة عامة علی الانتفاضتین السابقتین في فلسطين

انتفاضة الحجارة:

بدأت الانتفاضة الأولى للشعب الفلسطيني في التاسع من ديسمبر 1987عام تحت عنوان انتفاضة الحجارة. الانتفاضة التي ترمز إلى صراع الشعب الفلسطيني غير المتكافئ مع الکیان الإسرائیلي، وضد احتلال هذا الکیان وتحقیق حقوقهم التي لا جدال فیها. بدأت هذه الثورة بعد أن دهست شاحنة إسرائيلية سيارة عدد من الفلسطينيين في مدينة جبالیا، ما أدی إلی استشهاد أربعة منهم. وتبیّن في ذلك الوقت أن هذا الحادث كان في الحقيقة انتقاماً من أب صهيوني أسيء لابنه قبل يومين! الفلسطينيون اعتبروا هذا الحادث القتل المتعمد، وفي اليوم التالي وأثناء تشییع الجنازات، رموا الحجارة على مقر الجيش الإسرائيلي في جبالیا. وفي المقابل أطلق جنود الکیان الإسرائیلي أعيرةً نارية في الهواء. وقد ردّ علیهم الفلسطينيون بوابل من الأحجار وقنابل المولوتوف. وهذا ما دفع الجيش الإسرائیلي إلى طلب تعزيزات، وكان ذلك الشرارة الأولى لانتفاضة فلسطين الأولى.

لكن الأمر لم یتوقف عند هذا الحد، بل انتقلت الانتفاضة من مدينة إلى مدينة. وفي ليلة السادس من أكتوبر 1987، في معبر “الشجیعة” جنوب مدينة غزة، وقعت اشتباكات بين القوات الإسرائيلية وعدد من المجاهدین الفلسطينيين. بعد هذه الاشتباكات، أعلنت شرطة القدس أنها سمحت لجماعة يهودية تسمى “حراس جبل الهيكل”، بإقامة طقوسهم الدينية في الحرم القدسي الشريف. هذا النبأ استنهض صباح يوم الجمعة التاسع من أكتوبر 1987 كافة أهالي القدس، لیقوموا بالدفاع عن البیت المقدس ومنع الأعداء من تدنیسه. وفي اليوم المحدد، إنتهت مقاومة الفلسطينيین لمنع دخول هذه الجماعة إلی الحرم القدسي الشريف، بإصابة العشرات من المسلمین وهروب حراس المعبد من المکان. ومع ذلك فالقدس لم تهدأ.

وبعد تواصل هذه الاضطرابات، نفّذت حرکة “الجهاد الإسلامي” في ليلة 22 نوفمبر عمليةً استشهادية في شمال “تل أبيب”، أدت إلى مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين. کما في ليلة 25 نوفمبر أيضاً، هاجم مسلحون فلسطينيون من الجبهة الشعبية، بواسطة طائرات يخوت (الطائرة الورقية) مستوطنة “الخاصة”، ما أسفر عن مقتل ستة جنود إسرائيليين. كل هذه الأحداث قد مهّدت الطریق لانتفاضة اشتعلت بعد الثامن من ديسمبر 1987، إثر حادث متعمد لمركبة عسكرية إسرائيلية مع 4 عمال فلسطينيين، وسجّلت أكبر وأوسع انتفاضة للفلسطينيین بعد عام 1967.

انتفاضة الأقصى:

في 28 سبتمبر 2000 وبعد دخول رئيس وزراء الکیان الإسرائیلي في حینه “ارييل شارون” إلى المسجد الأقصى مع عدد كبير من القوات العسكرية الإسرائيلية، اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي تُدعی انتفاضة الأقصى. إجراء “شارون” هذا أثار مشاعر الفلسطينيين وأدی إلی حدوث اشتباكات بين المصلين المسلمين والجنود الإسرائيليين، وفي أعقاب هذه الاشتباكات سقط 7 شهداء فلسطينيین وأصيب أكثر من 250 منهم، وفي نفس الوقت أصیب 13 جندياً صهيونياً بجروح. في ذلك الوقت، اندلعت اشتباكات عنيفة في القدس المحتلة، أدت إلى إصابة العشرات من الفلسطينيين، وانتقلت هذه الاشتباكات سریعاً إلی الضفة الغربية وقطاع غزة، واتخذت اسم “انتفاضة الأقصى”.

الانتفاضة الفلسطينية الثالثة مقارنةً مع الانتفاضة الأولى، شهدت مزیداً من الاشتباكات وتزایداً في العمليات العسكرية والمواجهات بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، ووفقاً للإحصاءات الرسمية للجانبين، فقد أدت إلی استشهاد 4412 فلسطينياً وجرح 48 ألف و 322 آخرین، وعلى الجانب الآخر أيضاً قُتل من الصهاينة 1069 شخصاً وأصيب 4500 آخرون.

خلال هذه الانتفاضة، تعرضت مناطق مختلفة من الضفة الغربية وقطاع غزة لاعتداءات الجيش الإسرائيلي، ودمرت آلاف المنازل وأتلفت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية. ومن بين أهم الأحداث التي وقعت خلال انتفاضة الأقصى، اغتیال “رحبعام زئيفي” وزير سياحة الکيان الإسرائيلي حینذاك علی ید مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لقد تم إخماد الانتفاضة الفلسطينية الثانية أخيراً في 8 فبراير 2005 وعبر التوقیع علی اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في مؤتمر “شرم الشيخ”.

فشل قمة كامب ديفيد الثانية، انتصار مقاومي حزب الله في طرد الصهاينة من جنوب لبنان، سياسات الکیان الإسرائيلي العنصرية والقمعية، تأجيل الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، کل ذلك تسبب في أن یؤدي اعتداء أرييل شارون على المسجد الأقصى، إلی إطلاق لهیب هذه الانتفاضة.

مكاسب الانتفاضة الثالثة

الانتفاضة الفلسطينية الثالثة وعلى الرغم من أنها في خطواتها الأولية، لكنها تمكنت من تحقيق الأهداف الأساسية ضد التهديدات الأكثر خطورةً على المشروع الوطني الفلسطيني. الإنجاز الأول للانتفاضة الفلسطينية الثالثة قد تحقق في الأيام العشرة الأولى، بحيث أن رئيس وزراء الکیان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفي أعقاب الاحتجاجات الشعبیة، اضطر إلى التنازل عن قراره القاضي بالتقسیم الزماني للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود. هذا الانتصار قد شجّع ولو جزئیاً عناصر المقاومة علی استمرار الانتفاضة، لأن ذلك يمكن أن يكون مقدمةً لانتصارات أكبر. وشعور السلطات الإسرائیلیة وحتی عناصر الجیش الإسرائیلي المدجّجین بالسلاح، بالخوف من هجمات المقاومة بالأسلحة الباردة أو الدهس من قبل السيارات الفلسطينية، لهو إنجازٌ آخر یُسجّل لانتفاضة القدس.

بالطبع إن نفس دخول الانتفاضة إلی شهرها الثالث على التوالي، وعلى الرغم من التفاعل الفاتر من قبل الأنظمة العربية وتآمر بعض من هذه الأنظمة ضد المقاومة الفلسطينية، يمكن اعتباره انتصاراً بحد ذاته أیضاً. وهذا الانتصار يظهر أن الانتفاضة الثالثة هي انتفاضةٌ قوية وعميقة الجذور، ولديها القدرة على مقاومة الاضطرابات الحالية. وهذه الانتفاضة قد أوصلت بناء المستوطنات في الضفة الغربية إلی طریق مسدود بشکل جاد، وبدلاً من أن تتحوّل المنطقة الأكثر أماناً أثناء الحرب على غزة في عام 2014، إلی مکان لاجتماع الصهاينة، فقد اضطر الصهاينة إلى الفرار من هذه المنطقة بفعل الانتفاضة.

کما أن انتفاضة القدس وموقع المسجد الأقصى، قد خلق تحديات خطيرة في أفكار الکیان الإسرائیلي، بحیث أنهم عرفوا مکانة وأهمیة هذه المناطق لدی المسلمين. وهذه الانتفاضة ألحقت ضربات قاسیة بعملية التسوية والاستیطان وتهويد القدس، وتحاول إعادة المصداقية إلی القضية الفلسطينية. وقد أظهرت انتفاضة القدس أن الفلسطينيين توصلوا إلى استنتاج مفاده أن السبيل الوحيد لتحقيق حقوقهم المشروعة والثابتة، هو التموضع في محور المقاومة والانتفاضة.

المخاطر التي تواجه انتفاضة القدس

ومن أهم التحديات التي تواجه الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، هي موقف الفصائل الداخلية والأنظمة الإقليمية التابعة للغرب. وعلى الرغم من أن انتفاضة الشعب الفلسطيني تطوي الأيام الأخيرة من شهرها الثاني، ولكن ثمة جهودٌ إقليمية و دولية واسعة تُبذل لقمعها. والحكومة الأمريكية تلعب دوراً كبيراً في دعم الصهاينة و قمع الانتفاضة و احتواءها. هذا في حین أنها فشلت على مرّ السنين الماضیة في إقناع حكومة الکیان الإسرائيلي بدفع عملية السلام إلی الأمام. وتأتي هذه التطورات في ظروف لا نجد فیها من الأنظمة العربية في المنطقة سوی الحد الأدنی من الاهتمام بالقضية الفلسطينية، محوِّلةً انتباهها إلى الأحداث المحلية والإقليمية الأخری وکذلك الصراعات الداخلية.

وما يجعلنا نتغلب على هذه التحديات، هو التآزر بين الجماعات النشطة في الساحة الفلسطينية الداخلية، وفق النهج القائم على الوحدة الوطنية والتحالف ضد العدو الداخلي والخارجي الواحد، الأمر الذي یقود من جهة عجلة الانتفاضة الثالثة نحو الأهداف النهائية المحددة مسبقاً أكثر فأكثر، ويُزیل من جهة أخرى التهديدات المحلية والدولية التي تواجهها. وعلی فصائل المقاومة الإسلامية والشعب الفلسطيني الثوري أن یتذكروا بأن الاعتماد على العلاقات الخارجية وخاصةً في الأوضاع الحالية التي تعیشها المنطقة، والتي تُظهر انحیاز الأنظمة العربية في المنطقة أكثر فأكثر إلى سياسات تل أبيب، لا یمکن أن یکون مجدیاً في السعي لتحقيق أهدافهم، وسیُدخلهم مرة أخری في حلقة محادثات التسوية المفرغة، وهي المحادثات التي أثبتت عدم جدواها على مدى العقدين الماضيين.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق