مصير العلاقة بين إيران و أمريكا بعد رفع العقوبات النووية
تكلّل الصمود الإيراني طيلة العقود الأربعة الماضية، والتي تخلّلتها 13 سنة من المفاوضات الشاقّة بالإتفاق النووي في فيينا الذي تلاه رفع عقوبات ظالمة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. طهران حوّلت هذا التهديد إلى فرصة ثمينة جعلها في عداد الدول التي تتربع على سلّم التقدّم العلمي فضلاً عن دخولها في ميادين لم تدخلها العديد من الدول الصناعية حتى يومنا هذا.
رفع العقوبات يعني إنفتاح طهران على الأسواق العالمية، مقابل دخول الشركات التابعة للدول الصناعية الكبرى إلى طهران، ما يعزيز وضع إيران الإقتصادي الذي تخشاه كل من أمريكا والكيان الإسرائيلي خشية الإستفادة من ذلك في دعم الحركات المقاومة في المنطقة، فهل ستقف أمريكا مكتوفة الأيدي؟ كيف ستردّ طهران على واشنطن؟
عند قراءة “المشهد الأخير” في إطار عام، بالتزامن مع إستذكار التجارب السابقة لواشنطن سواءَ خلال الحرب العراقية الإيرانية أو في ليبيا أو العراق، نذعن لإزدواجية أمريكية، ونخلص إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أولاً: لن تتوان أمريكا عن النكث بالعهود والإتفاقيات التي تبرمها في إطار تحقيق أهدافها، وفي حال فشلت عبر الحوار لا تستبعد الخيار العسكري تحت ذرائع واهية، تماماً كما حصل مع العراق حينما أوضحت عدم وجود أسلحة دمار شامل بعد تدميره وسرقة نفطه وإستباحة دمائه.
ثانياً: تتقن أمريكا فن الحروب الناعمة والخشنة، وفي حال عدم القدرة على الدخول في مواجهة عسكرية، كما هو الحال مع طهران، تلجأ لأسلوب الحرب الناعمة والنفوذ الذي تحدّث عنه مؤخراً قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد “علي الخامنئي” خلال لقائه سفراء الدول الإسلامية عندما إعتبر أن “ان الامریکیین بصدد فرض مصالحهم، لا تسویة القضایا، انهم یریدون فرض 60 الی 70 بالمائة من مطالبهم فی المحادثات، وان یطبقوا ویفرضوا البقیة من اهدافهم بصورة غیر شرعیة”.
ثالثاً: تعتبر سياسة “الإبتزاز” من أبرز الطرق التي تعتمدها واشنطن بغية تحقيق أهدافها، إلا أن تحقيق “الإبتزاز” لا يعني كف شرّ أمريكا عن الدولة المستهدفة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت واشنطن بإبتزاز سوريا في ما يخص الأسلحة الكيميائية إلا أنها لم تتوقف عن دعم الجماعات المسلّحة لإسقاط الرئيس السوري “بشار الأسد”.
هنا نخلص إلى نتيجة جوهرية مفادها عزم واشنطن على مواجهة طهران بكافة السبل، لأن القضية ليست نووية، فباكستان والهند والكيان الإسرائيلي دول نووية، والخلاف، في الواقع، يكمن في أصل وجود النظام الإيراني.
وأما عن مرحلة ما بعد العقوبات بين البلدين، فمن المستبعد اللجوء إلى مفاوضات جديدة في الوقت الراهن لأن “لا جدوى ولا معنى للمفاوضات مع أمريكا بشأن القضايا الإقليمية ، لأن أمریکا تعتبر جزء من المشکلة ، و لیس الحل ، کما تقف وراء الفوضی التی تشهدها هذه المنطقة.. وأهداف الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة تختلف مع الأهداف الأمریکیة بنسبة 180 درجة، وفق ما يرى قائد الثورة “آية الله خامنئي”.
ولكن هذا لا يعني عدم “الإشتباك” من جديد بين البلدين، خاصّة أن واشنطن مهّدت لجملة من الإتهامات والقضايا مع بروز أفق الإتفاق النووي قبل فترة، لاسيّما الصواريخ البالستية، ودعم طهران لحركات المقاومة في المنطقة. وهذا ما شاهدناه اليوم، بعد أقل من 24 ساعة على رفع العقوبات حيث فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة على طهران تتعلق ببرنامجها الصاروخي البالستي.
يبدو اليوم الأول في الفصل الجديد ضبابياً بإمتياز، إلا أنها بداية الحكاية بين البلدين، لأن أمريكا ستعزّز هذه العقوبات مع مرور الوقت. في المقابل، لن تتنازل طهران عن حقوقها الصاروخية، بإعتبار أن “التجربة النووية” خير برهان على ذلك. حتى أنه في حال تسوية “الصواريخ البالستية” ستلجأ أمريكا إلى فرض عقوبات جديدة تحت ذريعة “دعم الحركات المقاومة في المنطقة” أو أي ذريعة أخرى، وتكرّر فصول الحكاية.
المصدر / الوقت