كيف تنظر مصر و تركيا إلى غزة؟!
بعد سقوط نظام الرئيس المصري الأسبق “حسني مبارك” في شباط / فبراير 2011 وتسلم الرئيس “محمد مرسي” القيادي في حركة الاخوان المسلمين مقاليد الأمور في هذا البلد، دعمت تركيا حكم الاخوان طيلة وجوده في السلطة وحتى الإطاحة به من قبل المؤسسة العسكرية المصرية ومجيء الرئيس عبد الفتاح السيسي في حزيران / يونيو 2014.
وبسبب رفض تركيا الاعتراف بنظام حكم “السيسي”، توترت العلاقات بين أنقرة والقاهرة، وانعكس هذا التوتر على مواقف الجانبين بشأن الكثير من قضايا المنطقة لاسيّما القضية الفلسطينية. فمصر التي لعبت في السابق دوراً متميزاً في توجيه مسارات هذه القضية، خصوصاً فيما يتعلق بمفاوضات التسوية بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، إبتعدت عن هذا الدور في عهد “السيسي”، في حين سعت تركيا لملئ هذا الفراغ لتحقيق مكاسب سياسية عن هذا الطريق.
وبعد إتهام حكومة “السيسي” لحركة حماس بالتدخل في شؤون مصر الداخلية والتعاون مع الحركات السلفية والتكفيرية لتنفيذ عمليات إرهابية في صحراء سيناء، تصاعدت حدّة التوتر بين الجانبين، و وصل الأمر إلى حد قيام مصر باستهداف قاعدتين عسكريتين لحماس في شباط/ فبراير 2015 وتدمير معظم الأنفاق التي حفرتها الحركة في قطاع غزة، فيما تحدثت مصادر عن إحتمال قيام الجيش المصري باجتياح القطاع للقضاء على حماس في تلك الفترة.
من جهتها سعت تركيا للتقرب إلى حماس والكيان الإسرائيلي في آن واحد، كما سعت لتعزيز علاقاتها مع السعودية رغم دعم الأخيرة للحكومة المصرية بقيادة “عبد الفتاح السيسي”. وجاءت هذه التحركات في إطار تطلعات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بزعامة “رجب طيب أردوغان” لإحياء أحلام الخلافة العثمانية.
وتجلت علاقة حماس بأنقرة بشكل واضح بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى بين الحركة والكيان الإسرائيلي عام 2011 والتي تم خلالها إطلاق سراح 1027 أسير فلسطيني مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط”، حيث إختار الكثير من الأسرى الفلسطينيين المحررين في هذه الصفقة الذهاب إلى تركيا بعد أن إشترط الكيان الإسرائيلي إبعادهم خارج فلسطين المحتلة.
وخلال عام 2015 قام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “خالد مشعل” بزيارة إلى أنقرة وبقي فيها مدّة شهر كامل، وحاولت تركيا خلال هذه الزيارة إقناع حماس بالاعتراف بالكيان الإسرائيلي والدخول معه في مفاوضات من أجل تسوية القضية الفلسطينية في إطار ما يسمى “حل الدولتين”.
في هذه الأثناء سعت حكومة “السيسي” لاستعادة دور مصر في القضية الفلسطينية لكنها لم تتمكن من تحقيق شيء يذكر في هذا المجال، بسبب إنشغالها بالتحديات الداخلية والخارجية ومن بينها الأزمة الإقتصادية الحادّة التي تعيشها البلاد، والمعارضة السياسية التي تواجهها من قبل أطراف متعددة في الشارع المصري.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا تمكنت الى حدٍ ما من توظيف علاقاتها مع قطر والسعودية للضغط على نظام “السيسي” الذي سعى بدوره للتخلص من أزمته الإقتصادية من خلال الهبات السعودية وبعض دول مجلس التعاون الحليفة لها.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن محاولات “السيسي” لإعادة دور القاهرة في القضية الفلسطينية يهدف في الحقيقة إلى كسب ودّ الشعب المصري، خصوصاً بعد الاحتجاجات الشديدة التي شهدها الشارع المصري ضد تدخلات سفارة الكيان الإسرائيلي بشؤون مصر الداخلية واستمرار الحصار الجائر الذي يفرضه هذا الكيان على قطاع غزة منذة عدّة سنوات.
من هنا يمكن القول بأن غزة تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القاهرة وانقرة، وإذا ما ارادت حكومة “السيسي” كسب الجولة فينبغي لها أن تعيد النظر بسياستها تجاه القضية الفلسطينية، وعدم إتاحة الفرصة لتركيا التي تسعى لتعزيز موقفها من خلال التظاهر بدعم حماس كون الأخيرة تمثل الثقل السياسي والعسكري في قطاع غزة، ولا زال الكيان الإسرائيلي ينظر إليها على أنها الطرف الأقوى والمؤثر في القضية الفلسطينية، ولهذا يسعى من خلال علاقاته مع أنقرة للتأثير على قرارتها بشأن مفاوضات التسوية وصفقات تبادل الأسرى والحصار المفروض على القطاع.
المصدر / الوقت