أهم أسباب التدهور في الاقتصاد التركي؟
يعود الغموض الى الاقتصاد التركي من جديد، فبعد سنوات من النمو السريع التي شهدته تركيا بين العام 2002 و 2014 يعود الاقتصاد التركي الى التباطؤ و الترنح بشكل ملحوظ في عام 2015-2016. ما يعيد إلى الأذهان أزمة تركيا الاقتصادية في العام 2001، حين زادت قيمة الدولار وأدى إلى تضاعف ديون الشركات الموفرة للتمويلات الخارجية. ففي عام 2015 سجل حجم رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة في تركيا انخفاضا ملحوظا، تدهور تجسد بانخفض سوق تركيا إلى 15 مليار دولار من 22 مليارا في عام 2014 حسب تقديرات شركة “ارنست اند يانغ” الدولية للخدمات الاستشارية. هذا الانخفاض يدفع الى التساؤل بما هي الأسباب التي أدت الى هذا التدهور في الاقتصاد التركي؟
ازدادت المخاوف في الشارع التركي من أن تؤدي السياسة الخارجية و الاقتصادية للحكومة في تركيا إلى المزيد من هروب رؤوس الأموال الأجنبية، وهو على ما يبدو ان الرئيس “رجب طيب أردوغان” لم يضعه في الحسبان. و يوعز بعض المحللين السياسيين و الاقتصاديين التراجع في دخول الأموال الى تركيا و هروب المستثمرين منها الى الأسباب التالية:
1-الكل يعرف أن دخول تركيا الحرب في سوريا كان السبب الرئيسي في تزعزع الوضع الأمني و السياسي و الاقتصادي في البلاد، دعم الارهابيين، فتح الحدود، تقديم التسهيلات لهم من مؤن و سلاح و غيرها من الأمور، جعل تركيا محطة لهم للانطلاق الى سوريا، الى أن انقلب الوضع الأمني رأساً على عقب، و أصبحنا نسمع يوماً بعد يوم عن انفجار هنا و هناك، قتلى و جرحى اي بما معناه أنّ تركيا تواجه اليوم الارهابيين على أرضها و يعني أنها سوف تدفع ثمناً امنياً و اقتصادياً كبيراً.
2-تدخل التركي في العراق، كان له أيضا تأثيرا سلبياً على الاقتصاد التركي، حيث قطعت العلاقات الاقتصاديى بين أنقرة و بغداد.
3- العلاقات الروسية التركية، اسقاط الطائرة الروسية كان أيضا سبباً رئيسياً في التدهور الاقتصادي التي تعيشه تركيا، حيث كان لاسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السوري صداً معاكساً للذي توقعته الحكومة التركية، ففرض الاتحاد الروسي عقوبات اقتصادية واسعة على تركيا.
4- أرجع مراقبون ان يكون ارتفاع معدلات الفساد الحكومي على مستوى الوزراء أحد الأسباب الرئيسية التي غيرت من معادلة ضخ الاستثمارات الأجنبية وقلبتها ليصبح الملمح الرئيسي فيها هو هروب تلك الاستثمارات. وأشار المراقبون ان هناك تعادل تقريبا في حجم رؤوس الاموال التي دخلت تركيا خلال الـ12 عاما الماضية وبين تلك التي خرجت من البلاد، لكن الحكومة التي كان “أردوغان” يرأسها طوال هذه الفترة فضلت دائما الإعلان عن الاستثمارات القادمة بينما لم تسمح بالترويج لموجة هروب الاستثمارات.
5- سياسة القمع ضد الأكراد، حيث تعتمد حكومة “أردوغان” سياسة كم الأفواه ضد المواطنين الأكراد ولاتزال هجمات الجيش التركي على المدن الكردية ومن بينها دیاربکر وشرناك والجزيرة وسلوبي ونصيبين متواصلة. هذه العمليات تتسبب بزيادة القلق والاضطراب لدى أهالي هذه المناطق وتقليص فرصهم في العيش الآمن ومزاولة حياتهم الطبيعية بعيداً عن النزاعات المسلحة. مما يدفعهم الى ترك البلاد و اتخاب وجهة اخرى.
6-الضغوط التي تمارسها حكومة حزب العدالة والتنمية على المستثمرين وفرض ملايين الدولارات من الضرائب وسن قوانين تسهل عمليات مصادرة الأموال وابتعاد تركيا تدريجيا عن مفهوم دولة القانون.
7-أسباب أخرى كثيرة دفعت بالمستثمرين الى الهروب من المستنقع التركي الى أماكن أكثر أمناً و استقراراً.
اذاً، يبدو واضحاً أن سياسة “اردوغان” المتمثلة ب “أنا او لا أحد” بدأت بدفع البلاد الى الانهيار الاقتصادي، صحيح أنه يمكن القول إن فوز “أردوغان” بالانتخابات الرئاسية يعكس نجاح الرجل و سياسته الاقتصادية، إلا أن ذلك لا ينفي أن مسار الاقتصاد التركي، خلال السنوات المقبلة، سيبقى مرتبطًا بتطورات الأوضاع السياسية، و التي من الظاهر لا تبدو أنها الى تحسن، و إلى جانب القدرة على معالجة التحديات الهيكلية التي يواجهها بالأساس. الازمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا والمرشحة للتصاعد دقت المسمار الاخير في نعش السياسات الاقتصادية المتبعة والاسس التي يقوم عليها الاقتصاد التركي. و المطلوب أخذ العبر والسعي للقيام باصلاحات بنيوية تطال الركائز الاساسية للاقتصاد في تركيا و ايضاً الى اعادة الحسابات و الاصتفافات في السياسة الخارجية.
المصدر / الوقت