التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

كيف فضح تنفيذ الإتفاق النووي حالة التخبط الداخلي الأمريكي؟ 

دخل الإتفاق النووي حيز التنفيذ و ینتظر العالم النتائج. و لم یبق إلا أيام قليلة، حتى بدا المشهد العالمي بعد تنفيذ الإتفاق. لكن الأمر المُلفت هو أن تنفيذ الإتفاق النووي أظهر حجم التماسك الإيراني لا سيما على صعيد السياسة الخارجية. فيما ظهر للعلن، حجم الإختلافات الداخلية الأمريكية والتجاذبات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ولعل مسألة تبادل السجناء، كانت الموضوع الأكثر إثارة، نتيجةً لأهليتها لأن تكون مادةً للتجاذب الداخلي في أمريكا لا سيما في ظل الحملات الإنتخابية القائمة. وهو الأمر الذي فضحته الصحافة الغربية. فكيف يمكن قراءة المشهد ما بعد الإتفاق النووي، لا سيما على الصعيد الداخلي الأمريكي؟ ولماذا تعيش واشنطن حالةً من التجاذبات السياسية؟

توصيف المشهد الأمريكي:

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن أن الولايات المتحدة أجلت فرض عقوبات ضد إيران تتعلق بإختبارات إطلاق صواريخ، كي لا تُعرِّض للخطر مفاوضات كانت تجرى بين الجانبين بهدف تبادل إطلاق سراح السجناء في البلدين. ونقلت الصحيفة على موقعها الإلكتروني عن مسؤولين أمريكيين ومسؤولين بالكونغرس مُطلعين على تلك المفاوضات القول أن واشنطن كانت تعد في أواخر شهر كانون الأول المنصرم، لفرض عقوبات رداً على اختبارات إيران لإطلاق صواريخ باليستية لكنها قررت تأجيلها. وذلك بعد أن ضغط وزير الخارجية “جون كيري” على البيت الأبيض، للتراجع عن ذلك تحديداً في 30 كانون الأول الماضي بجسب الصحيفة. كما اعترفت الصحيفة بأن هذه العملية تعكس في الحقيقة الصعوبات التي تخللت 14 شهراً من المحادثات السرية لتبادل السجناء، والتي أبرزت قدرة النظام الإيراني على ممارسة ضغوط بشكل كبير على الولايات المتحدة.

وهنا وبعيداً عن تحليلات الصحافة، فإن ما أشارت له وول ستريت جورنال، يعني بالدرجة الأولى، أن تخبطاً أمريكياً واضحاً كان يجري أثناء المفاوضات. وهو الأمر الذي يمكن أن تدُلَّ عليه تسريبات الصحافة الغربية، بعد تنفيذ الإتفاق النووي. فبحسب صحيفة الغارديان فقد وجد الجمهوريون خطوة تنفيذ الإتفاق النووي، فرصة سانحة لإنتقاد سياسة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”، فيما أبدى الديمقراطيون سعادة بتلك الصفقة. ومن هنا فقد تناقلت وسائل الإعلام حجم الإختلاف الأمريكي. حيث انتقد المرشح المحتمل للحزب الجمهوري “دونالد ترامب”، صفقة تبادل السجناء التي جرت اليوم الأحد 17 من الشهر الجاري، بأنها تُعد إنتصاراً لإيران بدرجةٍ أكبر من أمريكا. قائلاً إن إيران استفادت بالإفراج عن 7 من سجنائها بالإضافة إلى 150 مليار دولار نتيجة لرفع العقوبات، بينما لم تحصل الولايات المتحدة سوى على 4 سجناء فقط، مضيفاً بأن بقاء السجناء الأمريكيين في السجون الإيرانية يُعتبر عاراً على واشنطن. أما المرشح “ماركو روبيو” فقد أشار في تصريحٍ له بأن صفقة تبادل السجناء ستعطي الحافز للعديد من الحكومات حول العالم من أجل التفاوض على استعادة سجنائها، مضيفا أن الحكومات ستتخذ رهائن من الأمريكيين لثقتهم في الحصول على تنازلات في عهد الرئيس “باراك اوباما” لا سيما بعد خطوته تجاه إيران.

من جهةٍ أخرى، دافع مسؤولون أمريكيون رسميون عن صفقة تبادل السجناء التي جرت مع طهران والتي نالت انتقادات حادة من جانب أعضاء الحزب الجمهوري، واصفين تلك الصفقة بأنها كانت فرصة لإطلاق سراح المواطنين الأمريكيين، وهو ما اتفق عليه كلُ من المرشحة المحتملة للحزب الديمقراطي “هيلاري كلينتون” والمرشح “بيرني ساندرز”، حين أشاروا بأن العالم الآن أصبح أكثر أمانًا عقب تنفيذ الإتفاق النووي مع طهران.

دلالاتٌ وتحليل:

لا شك أن الصحافة الغربية استطاعت أن تعكس حال الداخل الأمريكي. في وقتٍ يبدو من الواضح أن الأطراف السياسية الأمريكية التابعة للحزبين الجمهوري والديمقراطي لا سيما المرشحين للإنتخابات، أدخلت تنفيذ الإتفاق النووي في التجاذبات السياسية الداخلية. وهو الأمر الذي لا نجد أن إيران معنية به. في حين يُظهر ذلك حجم الإختلافات الداخلية الأمريكية. وهنا نُشير للتالي:

لا بد من التأكيد على أن قيام الإعلام الغربي بربط صفقة تبادل السجناء بين واشنطن وطهران، بتنفيذ الإتفاق النووي هو من الأمور التي تحتاج للتدقيق. فمن الواضح أن السياسة الإيرانية كانت تؤكد بالتصريح والفعل، بأن مسألة الإتفاق النووي لا ربط لها بأي قضيةٍ أخرى. وهو الأمر الذي بدا واضحاً في التعاطي الإيراني، حيث لم تستطع القوى الكبرى ربط الملف النووي بأي ملفٍ آخر. وهو الأمر الذي يؤكد أن السياسة الإيرانية، تعاطت مع مسألة تبادل السجناء، كمسألةٍ إنسانية. وهنا لا بد من تذكير العالم بأن إيران وعبر قوات الحرس الثوري، قامت بإحتجاز عشر بحارةٍ أمريكيين دخلوا حدودها البحرية، في وقتٍ كان العالم ينتظر فيه تنفيذ الإتفاق. لنقول أن ربط مساعي إيران لتحصيل حقها المشروع بمسألة حفظها لأمنها القومي، أمرٌ غير قابل للنقاش. فإيران تعاطت مع الملفين كحقٍ لها.
وهنا فإن المسألة تختلف بالنسبة للداخل الأمريكي. ففي وقتٍ أبدى تنفيذ الإتفاق النووي حجم صلابة الموقف الإيراني فيما يخص السياسة الخارجية، بدا واضحاً حجم التخبط الداخلي الأمريكي. فالحسابات الإنتخابية دخلت في توصيف المشهد. بل إن التوصيف لم يكف لدى البعض، ليدخل تفسير الأحداث حقل التجاذبات الداخلية أيضاً. وهو ما أبدته تصريحات الطرفين الجمهوري والديمقراطي.
ففي وقتٍ رأى فيه الجمهوريون أن “أوباما” وحزبه الحاكم جعلوا السياسة الخارجية لواشنطن رهن الرضا الإيراني، كان الديمقراطيون يحتفلون بإنجازهم الدبلوماسي المتعلق بالإتفاق والإنساني المرتبط بإطلاق سراح السجناء.
إذن لم يعد بالإمكان تغيير الواقع. فلكلٍ من القطبين الجمهوري والديمقراطي رأيه الذي لم يعد يؤثر على الأحداث. فما جرى قد جرى، وحصلت إيران على حقها. بينما يبدو أن السياسة الأمريكية التي تقوم على البراغماتية، دخلت البيت الأمريكي الواحد. فضُعف الديمقراطيين الأمريكيين كطرفٍ مفاوضٍ في الملف النووي، أمام صلابة الموقف الإيراني، لا يمكن أن يُبرره “باراك أوباما” إلا بأنه ضرورةٌ لإعطاء الدبلوماسية دورها، وهو ما يعكس بالحقيقة عجزاً أمام الطرف الإيراني، إذ أن واشنطن لم تؤمن يوماً بالدبلوماسية. كما أن محاولات الجمهوريين إظهار أن إيران ربحت المعركة الدبلوماسية بطريقةٍ أكبر من أمريكا، قد يكون توصيفاً صحيحاً. فالعالم رأى بأم عينه كيف يتعاطى الإيرانييون مع من يتخطى الحدود ولو كان يُبحر في القارب الأمريكي. في وقتٍ كان العالم ينتظر فيه تنفيذ الإتفاق. وهو الأمر الذي لم تأخذه طهران بعين الإعتبار، فحدودها وأمنها القومي خطٌ أحمر. وفي الحالتين، يبدو واضحاً الطرف القوي من الطرف الضعيف.
المصدر – الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق