التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

واشنطن والحنين للوحول العراقية: محاولاتٌ تساوي الإفلاس 

تعود واشنطن مرةً أخرى من بوابة المنطقة الرئيسية، لتحاول من جديد فتح ثغرةٍ قد تساعدها في تحقيق أهدافها الإستعمارية. لكن محاولة أمريكا الدخول من البوابة العراقية، والتي انسحبت منها ذليلةً قبل سنوات، ليست إلا محاولةً يمكن القول إنها خيار المفلسين. فيما يجري التساؤل حول أسباب واشنطن ومحاولاتها المتكررة التدخل في الشؤون العراقية. وهنا فإن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي كارتر الأخيرة، والتي عبَّر فيها عن سعي بلاده للتدخل برياً ومساعدة العراقيين ضد تنظيم داعش الإرهابي، لا تنفصل عن تاريخ واشنطن الساعي لجعل الإرهاب ذريعة للتدخل في شؤون الدول من أجل تحقيق المصالح. فكيف يمكن تأكيد ذلك بالأدلة؟

قال وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، في مقابلة مع شبكة CNBC على هامش ملتقى دافوس، إنه يتعين على التحالف الذي تقوده بلاده استعادة مدينتي الموصل والرقة من تنظيم داعش الإرهابي، مشيراً إلى أنه سيتم إرسال المزيد من القوات البرية لدعم القوات المنتشرة هناك في إطار إستراتيجيته لتحقيق ذلك. وأكد كارتر، على ضرور أن يتم القضاء على التنظيم الإرهابي في هذين المكانين وإحراز تقدمٍ في ذلك في أقرب وقتٍ ممكن. كما أضاف في معرض حديثه أنه سيقوم بإرسال المزيد من القوات البرية لدعم القوات الموجودة هناك، لكن الأساس سيقوم على تعبئة القوات المحلية وليس محاولة الحل مكانها.

وهنا فإن الوقوف عند تصريحات كارتر ليس بالأمر المهم، على قدر ما يجب أن تُعطَ الأهمية لما خلَّفه الحضور الأمريكي في العراق، من خرابٍ ودمار. ولعل التاريخ يمكن أن يُثبت ذلك بالدليل والبرهان. ففي كل مرةٍ تحاول واشنطن الحديث عن أهمية دورها أو سعيها لمساندة العراق، نجد أن تصريحاتها تأتي في سياق محاولاتها المتكررة من أجل ضرب وحدة الشعب العراقي الذي استطاع بجيشه ولجانه الشعبية الإستغناء عن أمريكا والغرب. وهنا لا بد من الإشارة الى التالي:

يعتبر تنظيم داعش الإرهابي إرث الحضور الأمريكي في العراق. ولعل السيطرة الكبيرة التي حققها التنظيم فيما مضى، كانت نتيجة الدعم الأمريكي لهذا التنظيم. كما أن ازدواجية المعايير الأمريكية، والتي دلت عليها تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتناقضة، حيث وصف فيها مراتٍ عديدة، ما يجري في العراق بأنه خلافٌ سياسي بين القوات النظامية والعناصر التكفيرية. وهو الأمر الذي أكد حينها، حجم الدور الأمريكي في المؤامرة الهادفة لتدمير العراق دولةً ومؤسسات.
ولعل ما يجب العودة له هو أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 جاء كإمتدادٍ لتصاعد النزعة العسكرية داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إذ لم يكن التدخل حينها يهدف لخدمة مستقبل العراق. فقد انتشرت على نطاق واسع نظرية استغلال التفوق العسكري الكبير لواشنطن من أجل جعل القرن الواحد والعشرين قرناً أمريكياً كما يتصور المخططون الأمريكيون. وامتزجت مع تلك النظرية نزعة قومية إمبراطورية تتلاقى مع مصالح العولمة الإقتصادية. وهو ما يمكن الإشارة له عبر نزعة الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي تهدف للهيمنة على خيرات العالم، وهو ما أشار له الكاتب نعوم تشومسكي بالتفصيل في كتابه “الهيمنة أم البقاء”. والتي كان العراق مسرحاً لتنفيذها.
وهنا فإن نمو نزعة التدخل العسكري والتي بدأت من أوائل التسعينات وهو التاريخ الذي بدأ يشهد القفزة الكبرى في وضع الشركات متعددة الجنسيات، حين اندمجت مصالح العولمة مع الأمن القومي الأمريكي. ومنذ ذلك الوقت شهد العالم تدخلاً عسكرياً أمريكياً تحديداً في أفغانستان والعراق. وهو الأمر الذي كانت تهدف منه واشنطن، لتحقيق مصالحها السياسية والعسكرية والإقتصادية المحضة. وليس صحيحاً ادعاؤها السعي لتحقيق مصالح الشعوب.
لذلك فإن عملية إحتلال أمريكا للعراق، هدفت لتحطيم الدولة العراقية وكسر شعبها وهو ما جاء كمقدمةٍ لإسقاط الأنظمة العربية الأخرى. لكن فشلها في مشروعها بالتدخل المباشر، أدى في نهاية المطاف الى خروجها ذليلةً من العراق، وعودتها الى استراتيجية الحرب بالوكالة. ولعل تنظيم داعش الإرهابي، كان الإرث الأكثر قابليةً لتنفيذ مخططات واشنطن في المنطقة ومن العراق كمقدمة لذلك.
واليوم تعاني واشنطن من انهيار استراتيجيتها في المنطقة، لا سيما بعد أن فشل الوكلاء تحديداً الرياض، في تحقيق أي نتيجةٍ عملية في بنية الواقع السياسي في الشرق الأوسط. ولعل حجم الخراب الذي ولدته السياسة الأمريكية في المنطقة إن لجهة ما سُمي بالربيع العربي والإطاحة بالعديد من الأنظمة، لم يكن إلا مُقدمة لوعي الشعوب وخروجها الى الواجهة، وسعيها نحو مصالح دولها القومية.
إذن قد تكون واشنطن حنَّت للماضي لكنها لم تنسَ حتماً أنها فشلت في النتيجة. فلا تدخلها المباشر ساهم في تحقيق أهدافها، ولا استخدامها الوكلاء أدى للوصول الى نتائج مُشرفة. لذلك قد تكون واشنطن تسعى لخياراتٍ، أقرب الى خيارات المُفلسين في منطقةٍ أصبحت فيها من الماضي. فيما يبقى الشعب العراقي وحده، المسؤول عن تحديد خياراته، ومنع المؤامرات الأمريكية التي لم تأتِ إلا بالخراب عليه، خصوصاً بعد أن قدم نموذجاً في الوحدة والتماسك.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق