منظمة التعاون: بين المصالح الإسلامیة و الفئویة
لم يكن البيان الصادر عن منظمة التعاون الإسلامي أمراً مستغرباً حيث إستفادت الرياض من تحكّمها بقرار المنظمة لإصدار بيان ختامي “سعودي” بإمتياز، كانت حدّة لهجته بمستوى بيانات وزارة الخارجية السعودية، إلا لم يكن أكثر من ذلك.
قرأت البيان أكثر من مرّة، وتأكّدت أنه معدّ مسبقاً، وما الجلسة الطارئة إلا “تخريجة” شكلية للبيان الصادر عن المنظمة، ولكن في حال أردنا تفنيد هذه النقاط لا بدّ من الإشارة إلی النقاط التالية:
لم تأت الرياض في النقطة الأولى من البيان بأي شيئ جديد، حيث أدانت “الاعتداءات التي تعرضت لها بعثات المملكة العربية السعودية في طهران ومشهد” وهذا ما فعلته طهران منذ اليوم الأول، بدءاً بإقالة المعاون الأمني لمحافظ طهران، مروراً بإعتقال أكثر من 60 متهم بإقتحام السفارة، وصولاً إلى التأكيد من على لسان كافّة المسؤولين في إيران إدانة الحادثة، وعلى رأسهم قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي الذي وصف الأمربـ”السيئ فعلاً”.
رفض البيان وأدان، في نقطته الثانية، “التصريحات الإيرانية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة العربية السعودية و اعتبر ذلك تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية”. ألم تقود السعودية حملات لوقف إعدام الرئيس المصري “محمد مرسي”، ألم يكن الأمر شأناً داخلياً مصريا حينها؟ بالطبع لا، إن حوادث الإعدام هذه والتي تخدش شعوباً بأكملها ليست شأناً داخلياً أبداً، بل تعد شأناً إنسانياً في الدرجة الأولى، وإسلامياً وإقليمياً بالدرجتين الثانية والثالثة. ولكن هناك أيضاً سؤال يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا لم تعلّق السعودية على كافّة الإنتقادات التي صدرت عن العديد من الدول والمنظمات بعد حادثة إعدام الشيخ “نمر النمر”؟ ألا يدل ذلك الأمرعلى نيّة سعودية مبيّتة لإثارة الفتنة المذهبية في المنطقة؟
كذلك، أدان البيان في إحدى نقاطه مایسمی ب “تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى منها (البحرين واليمن وسوريا والصومال). لم تكتفي الرياض هذه الأمر بإصدار بيانات الإدانة التي تتعلق بها أو حتى الدول الحليفة، بل أدانت تدخل إيران في دول حليفةً أساسيّة لطهران، متجاهلة إرسال درع الجزيرة إلى البحرين، والدعم المالي والعسكري للجماعات التكفيرية في سوريا، فضلاً عن العدوان القائم على الشعب اليمني والذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين. واما عن دعم الإرهاب، الجمیع یعرف أن السعودیة هي التي أسست القاعدة وتنظيم داعش الإرهابي و هي الدولة التي يشكّل شباباها جزءاً كبيراً من التنظيمات التكفيرية.
أحد أبرز نقاط البيان، تضمّنت “مطالبة جميع الدول الأعضاء والمجتمع الدولي باتخاذ خطوات جادة وفعالة لمنع حدوث أو تكرار مثل هذه الاعتداءات مستقبلاً على البعثات الدبلوماسية والقنصلية لدى إيران، إضافةً إلى تأييد الإجراءات الشرعية والقانونية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في مواجهة الاعتداءات على بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية في إيران”، ما يؤكد عزم الرياض على توتير الأجواء في المنطقة والمضي قدماً في سياسة التجييش المذهبي والفتنة الطائفية علّها تنجح في تحقيق بعض “الإنتصارات” بسبب الفشل الذريع الذي يلازمها منذ العام 2010 سواءً في سوريا أو العراق أو اليمن.
البيان الختامي، تضمّن أيضاً جملة من النقاط المضحكة والمبكية في آن واحد، كـ”العمل على نبذ الأجندة الطائفية والمذهبية لما لها من آثار مدمرة وتداعيات خطيرة على أمن واستقرار الدول الأعضاء وعلى السلم والأمن الدوليين”، والتأكيد “على أهمية توطيد علاقات حُسن الجوار بين الدول الأعضاء لما فيه خير مصلحة الشعوب اتساقاً مع ميثاق منظمة التعاون الإسلامي”. فهل تراعي السعودية سياسة “حسن الحوار” عبر إرسال السلاح والمال والفتاوى للجماعات التكفيرية في سوريا، أو دعم أصحاب النزعات الإنفصالية في العراق، أو شنّ العدوان على اليمن، أو حتى تجاهلها لكافّة رسائل “حسن النوايا” الصادرة عن طهران عبر التعاطي بعبثة مع حادثة إقتحام السفارة؟
إن الرياض تحاول اليوم الإستفادة من المنظمة الإسلامية لتحقيق أهدافها الداخلية، والدفاع عن إرهاب النظام السعودي، سواءً الإرهاب العسكري أو المالي أو الإعلامي، وعملياً باتت المنظمة التي تأسست بهدف تعزيز التعاون الاسلامي من اجل التصدي لاحتلال فلسطين والمساعدة على تحرير القدس بوصفها القضية الاولى للامة الاسلامية، في خدمة مصالح بعض الدول وعلى رأسها الرياض.
المصدر / الوقت