معركة الرئاسة اللبناينة: مكانك راوح
تتوالى تبعات الخطوة الرئاسية التي قام بها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من خلال دعمه لرئيس “تكتل التغيير والإصلاح” النائب العماد ميشال عون، حيث قام الأخير بالأمس بإجراء إتصال هاتفي مع رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري، أتبعه الأخير بخطوة مماثلة مع رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية.
خطوة الحريري بالأمس تؤكد عزمه على المضي في ترشيح النائب فرنجية، رغم إدراكه مسبقاً عدم موافقة الجنرال على ذلك، إلا انها تأتي في إطار “الفيتو” السعودي على “الجنرال”، مقابل ترحيب قطر بالخطوة التي قام بها جعجع من خلال ترشيحه للعماد ميشال عون حيث وصف وزير خارجيتها خالد العطية الأمر بـ”القرار الحكيم”.
لا ندري أهداف قطر من هذه المبادرة، فهل تريد إظهار حسن نواياها تجاه لبنان أم أنها تأتي في إطار النكاية مع السعودية، وبالتالي تريد جذب سمير جعجع الذي بات مكشوف إقليمياً بعد تخلّي الرياض عنه، وفي كل الأحوال لن يقدم الموقف القطري أي جديد على الساحة اللبنانية بإعتبار أنها لا تمتلك أي موطئ قدم سياسي. ولكن ماذا عن مستقبل الرئاسة اللبنانية، وهل سيبقى الفراغ سيّد الموقف رغم التوافق المسيحي على الجنرال عون؟ أم أن الحريري سيتنازل عن ذلك كي لا تكون عقبة الرئاسة المسيحية “إسلامية” بإمتياز؟
حزب الكتائب، لا ناقة له ولا جمل في الرئاسة بين عون وفرنجية، خاصّة بعد تأكيده على انه لن يصوت لمرشح من 8 اذار، في حين أن النائب وليد جنبلاط أكد لنواب اللقاء الديموقراطي استمراره بدعم النائب سليمان فرنجية ولن يتراجع، كما أن الرئيس بري يشاطره الأمر ذاته. اما حزب الله فيفضّل الصمت حالياً والمضي بدعمه للجنرال عون حتى ينقطع النفس.
لا ندري اذا ما حصل الجنرال عون على الجواب الشافي في الإتصال الأخير مع الحريري، إلا أن ما بعد الإتصال، أو بالآحرى الرد بالمثل عبر مهاتفتة فرنجية يعتبر رسالة واضحة تؤكد على استمراره في دعم فرنجية. يبدو أن إعادة تموضع جعجع لم تغيّر شيئاً في كفّة الميزان الرئاسي، ما يعني البقاء على الحال حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
عون لا يظهر أي ليونة أو تراجع إزاء الملف الرئاسي بإعتبارها المعركة الأخيرة في حياته السياسية، مقابل رفض الحريري سواءً بسبب الرفض المقابل من قبل بعض الأطراف اللبنانية في مجيئه رئيساً للحكومة في حال تنازل للجنرال عون، أو بسبب “الفيتو” السعودي على زعيم التيار الوطني الحر. باسيل صهر الجنرال، رغم إعتراض البعض على موقفه الأخير في منظمة التعاون الإسلامي، إلا أنه ضرب عصفورين بحجر واحد حيث مرّر سياسة النأي بالنفس من ناحية، ورد الصاع السعودي على “فيتو عون” عبر الإمتناع سواءً في الجامعة العربية أو المنظمة الإسلامية.
الحريري ومن خلال إصراره على ترشيح فرنجية يسعى لوضع حزب الله في “خانة اليك” مقابل حلفائه، وهذا ما نتابعه حالياً في خطوط الإعلام اللبناني التابع لـ14 آذار، “حزب الله لا يريد عون بل يريد الفراغ”، “حزب يستطيع الضغط على حلفائه ولكن لا يريد”، “حزب الله غير قادر على جمع حلفائه”. إلا أن حزب الله يفضّل الصمت حالياً، مع تأكيده على دعم الجنرال عون في معركته الرئاسية.
يبدو أن الفراغ سيبقى سيّد القصر حتى يستلمه الجنرال عون، الرجل المسيحي الأقوى، ولا نستبعد أي ترك الحريري لفرنجية قريباً، تماماً كما فعل مع جعجع، خاصّة اذا ما حصل على الضوء الأخضر السعودي الذي يبدو مستبعداً حتى تتوضح أمور المنطقة، سواء في اليمن أو سورياً أو في ما يخص العلاقة مع إيران.
أراد الحريري من خلال ترشيح النائب سلميان فرنجية شق صف الثامن من آذار، إلا أن الصفعة التي تلقاها جاءت من حليفه المسيحي الأقوى سمير جعجع الذي حشره في الزاوية أمام الرأي العام اللبناني عموماً، والمسيحي على وجه الخصوص. بإختصار، إن معركة الرئاسة المقبلة تمثل معركة وجود أو لا وجود للجنرال الذي يرى نفسه قد قدّم العديد من التنازلات في المرحلة السابقة، فلذلك لا توجد أي فرصة للتراجع .
المصدر / الوقت