حين تنتقل الأزمة السورية من نقاشٍ حول شرعية الأسد، الى إختلافٍ حول الوفد المعارض
على الرغم من أن مجلس الأمن قرر منذ أكثر من شهر وتحديداً في 18 كانون الأول المنصرم، خارطة الطريق للخروج بحلٍ للأزمة السورية، فإن الأمور ما تزال على حالها. وهو الأمر الذي يمكن أن يكون ترجمةً للإختلافات التي يتصف بها الفريق المعارض، لا سيما بشأن الممثلين. مما يفضح حجم الإختلافات التي تتسم بها المعارضة السورية، في ظل تعنُّتٍ سعودي تخالفه العديد من الأطراف الإقليمية. فماذا في مشهد المفاوضات وانعقادها؟ ولماذا تبدو الصورة سلبية؟
أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إتصل السبت بنظيره الروسي سيرغي لافروف وبحثا في مسألة تمثيل المعارضة السورية في محادثات السلام بين النظام والمعارضة المقررة الأسبوع المقبل في جنيف. وكان من المفترض أن تبدأ هذه المحادثات الإثنين 25 كانون الثاني، في مقر الأمم المتحدة في جنيف، إلا أن الأمم المتحدة أعلنت أنها ستتأخر لبضعة أيام. ويتركز الخلاف بشكل خاص حول تشكيلة وفد المعارضة. وكان كيري ولافروف التقيا الأربعاء الفائت في زوريخ. وأعلن بيان الخارجية الروسية السبت أن الطرفين يدعمان انعقاد محادثات السلام في جنيف “الأسبوع المقبل”. وهنا فقد برز الرفض الروسي لبعض التمثيلات لا سيما مشاركة محمد علوش كممثلٍ عن تنظيم جيش الإسلام في المحادثات، وذلك لإعتبار موسكو هذا التنظيم “إرهابيا”.
بناءاً لما تقدم، لا بد من الوقوف عن التوصيف الذي يمكن إطلاقه على المشهد السياسي المُتصل بالمفاوضات، وهنا نشير للتالي:
يبدو من الواضح أن الخلافات بين ما يُسمى بالمعارضة السورية، حول مسألة التمثيل، تطغى على المشهد الذي قد يظنه البعض جامعاً. فالخلافات التي تجمع الأطراف الإقليمية المسؤولة عن الأفرقاء المعارضين، تنعكس عرقلةً في تشكيل تمثيل المعارضة عموماً. وهنا فإن الطرف المدعوم من السعودية حسم أمره بشأن التمثيل وأعلن أن الوفد سيرأسه أسعد الزعبي، وقام بإختيار محمد علوش، زعيم ما يُعرف بـ “جيش الإسلام” كعضوٍ آخر للوفد. فيما جرى الحديث عن سخطٍ لدى الأطراف الأخرى لمحاولة هذا الطرف ومن خلفه الرياض، فرض أعضاء الوفد المذكورين دون قبول غيرهم. وهو الأمر الذي يبدو أنه سبب المشكلات بين المعارضين.
في المقلب الآخر يبدو واضحاً أن الطرف الرسمي الشرعي وهو النظام السوري، قد حسم أمره بمشاركة بشار الجعفري كرئيسٍ للوفد، الى جانب فيصل المقداد نائب وزير الخارجية. فيما يمكن ملاحظة أن الطرف السوري قد خفّض من مستوى الوفد الأمر الذي له العديد من الدلالات السياسية.
وهنا وبناءاً للتوصيف نجد أن التحليل أصبح واضح المعالم. ويمكن تأكيد ذلك من خلال التالي:
تتعاطى دمشق مع مسألة المفاوضات بطريقة رفع المسؤولية لا أكثر. فالنظام السوري ليس مُقتنعاً بأن المفاوضات ستؤول لما فيه صالح سوريا حكومةً وشعباً، لأسبابٍ تتعلق بتناقضات المعارضة وعدم قدرتها على الإتفاق حول شخصياتٍ يمكن أن تُمثلها.
وهو الأمر الذي يعني في الواقع السياسي أن الطرف السوري الشرعي أي النظام، يمضي قدماً وبشكل واضح ومبدئي في كل التطورات، فيما تتوضَّح يوماً بعد يوم بأن الأجندات الإقليمية للدول لا سيما قطر والسعودية وتركيا، تؤثر بشكل أساسي على أداء المعارضة السورية.
لكن الطرف الأهم والذي يعتبر نفسه الأساسي وهو جبهة النصرة، والذي قام بوصف جميع المعارضين المشاركين بالمؤتمر بالخونة، وهدد بتصفيتهم فيما يتعاطى تنظيم داعش الإرهابي وكأنه غير معنيٍ بما يجري.
وهنا وفي ظل كل تلك التعقيدات، خرج “ستيفان ديمستورا” المبعوث الأممي في الملف السوري، عن صمته مصرحاً بقيام الرياض عرقلة مفاوضات جنيف. فيما طرحت موسكو حلاً بمشاركة وفدين للمعارضة الأمر الذي دفع ديمستورا لطرح تشكيل وفدين برئاسة واحدة.
من هنا يمكن الوصول الى نتائج عديدة نذكرها كالتالي:
ليس صحيحاً أن الدول الغربية تسعى صادقةً لإيجاد حلٍ سياسيٍ للأزمة السورية، بل يتم التعاطي مع المسألة من باب إدارتها وتركها رهينة المتغيرات السياسية، عبر استغلال الأطراف المعارضة المُنقسمة. فيما تبدو موسكو صادقةً في مساعيها لحل الأزمة.
وهنا لا بد من الإشارة الى أن الإختلافات الحاصلة بين المعارضين، أضحت واضحة لدرجة أن حديث المحللين أصبح يتمحور اليوم، حول كيفية انتقال النقاش من رفض الحل السياسي في سوريا وعدم قبول المعارضة لبقاء الرئيس الأسد، لنقاشٍ في أحقية الأطراف المعارضة ودخولها في مزايدات فيما بينها. وهو الأمر الذي جعل المشكلة اليوم في المعارضة بحد ذاتها.
إذن يطغى الغموض على مصير محادثات جنيف. فيما يبدو واضحاً أن الغرب ليس مُكترثاً بالحل المتصل بالأزمة السورية. فالغرب يتعاطى مع الموضوع من منطلق أنه ورقة سياسية لا يزال يراهن عليها. وهو الأمر الذي يمكن ربطه أيضاً، بالخلافات الإقليمية بين الأطراف الداعمة للإرهاب بسوريا. من جهةٍ أخرى، فإن حجم التناقضات بين المعارضين، تدل على حجم التخبط لدى الأطراف التي لم تعد تمتلك رؤية محددة وموحدة، نتيجة تطور الواقع السياسي والعسكري في الميدان السوري.
المصدر / الوقت