أقاليم العراق.. خريطة تبحث عن أرض
يتصاعد عديد الجنود الأميركيين في العراق، تتوسع مهماتهم، ينتشرون على الأرض، يسبحون في سماء الرافدين، يملكون الأثير ويسيرون الخطط غربي العراق، وشماله، فعلهم على الأرض، فعل، وفعل بعض غيرهم، قول. هم أنفسهم لا يعلمون إلى متى سيتحمل العراقيون، والعراقيون كشعب، يعولون على غير الموقف الرسمي لحفظ أرضهم.
في الوقت نفسه تداعى أركان القرار الأميركي لطمأنة بغداد إلى أنهم مع وحدة أرض العراق، فيما حلفاء واشنطن المحليون، صوروا أن بقاء العراق واحداً موحداً، أصبح من الماضي. هكذا تبدأ دوامة جديدة قبل انتهاء دوامة داعش، عنوانها وحدة العراق، دوامة جديدة، بعد مسلسل أسلحة الدمار الشامل ومسببات الاحتلال.
هنا يجب التوقف للتفكير بضمير وحكمة وإن قليلاً. تمضي السنين وبغداد ترزح بعيداً عن موقعها، في التاريخ والجغرافيا والسياسة، ترسم لها حتى أحدث الدول نشأة، مواقف للي الذراع، فلا تجد من يحاورها إلا كبار الدول، تلجأ إلى كبريات العواصم كما أبنائها، لعلها تستحصل على ما يدعم وحدة البلاد، وحدة تريد لها بغداد أن تبقى، لا عن قناعة بضرورتها حتى النهاية، لكن من ضغط وغليان شعبي، هو الآخر لا يعلم متى النهاية، وهكذا كان لا بد من مكان آخر تتجه له العيون.
في غمرة التطورات السريعة، أعاد الأميركيون انتشار جنودهم، وأتموا عملية استبدال ما يقرب من ألف جندي أميركي بين من عمل في حديثة شمالي غرب الرمادي من الفرقة 81 الأميركية، ببدلاء من الفرقة 101 المحمولة جواً، كما مرروا شحنة السلاح الثقيل هذه المرة من جنوب العراق في البصرة إلى أقصى شماله في زيليكان شرقي الموصل. وبينما ينشغلون هم بما يرونه الأصلح، تنشغل فئة من العراقيين بما تراه هي الأخرى الأصلح، وفي خضم التخطيط والتخطيط المضاد، والتآمر والدفاع المضاد، وسياسة التمييع، وما يواجهها من خطوات مضادة، يثلج الصدر أن هناك أملاً بأن هناك من قرأ التأريخ، واستوعب الدرس.
يركزّ الأميركيون على إبعاد القرار الوطني العراقي في إدارة العمليات العسكرية، ويركزون على الأقرب للمصلحة الأميركية، بقدر تركيزهم في استثمار الحرب على داعش. أميركياً لا يمكن للحرب أن تنتهي بعودة الوضع إلى ما كان عليه، غمز بذلك الأميركيون، وأعلنها حلفاؤهم، وشاع أن ما بعد العاشر من حزيران 2014 وانهيار الموصل واحتلال محافظات عراقية، ليس كما قبله، والمسلسل لن ينتهي بمقتل البغدادي وبدء صباح جديد، تشرق فيه الشمس على أهل الموصل. لا، ليس الأمر كما تظن يا سيدي، فالعراق أو امتداداته المتنوعة ليست مقدسة، هكذا أميركياً، وتماسك أهله يمكن أن ينسفه صدى بسيط من التخويف والتخوين، أميركياً أيضاً، ويمكن الذهاب بعيداً أقصى الغرب للتدويل في أبسط مشاجرة، أو تضخيم لأي حادث كان ما قبل 2003 يحسم بصافرة شرطي.
جبهات متعددة وملفات أوسع ومشاكل تستثمر، ليس ممكناً أبداً اعتبار ما مضى صدفة، كل ذلك بالتزامن وبتنسيق أتقن مخرجه رسم فصوله، وأجرى تعديلاً عليه يوم طلب تغيير الانسحاب من الحكومة إلى تعليق فمقاطعة أو انتظار لموقفها.
بغداد على موعد مع صدمة جديدة، صدمة يمكن أن تكون من الخطورة بمكان، بما يفرض على بغداد أن تستعد لها وتعيد حساباتها، وأن توصل رسالتها، أن الموقف العراقي من وحدة البلاد والحرب على داعش وتوظيف وجود التنظيم، غير ممكن. سيادة بلاد الرافدين ومتعلقات وحدتها، لا مكان فيها لشعرة معاوية، ولا يمكن أن يبقى أداء الدولة العراقية مبنياً على اساس رد الفعل على أي فعل صادر.
تحاول واشنطن استرضاء بغداد في تسليحها أميركياً، تسجل موقفاً للمستقبل على عقود فات أوانها، وبالتزامن يعاد انتشار الأميركيين وفقاً لمصلحة الأمن القومي، في تصعيد أميركي، بالتزامن مع راحة سورية في الميدان السوري، وهكذا لا بد من ترجيح الكفة للمصلحة الأميركية، والتي من الغباء الإيمان بأنها مصلحة عراقية، ولأنها كذلك لا بد من عود على بدء، والنظر لمن يكون له دور في منع المشروع الأميركي في تقسيم العراق.
واشنطن تريد عراقاً أميركياً وفيدرالية في الشرق إن تمت فويل للمشرق والمغرب، مما سيتحول إلى سُنة يتحمل الكل وزرها ومن جغرافيا أرضه. لكن ما يبعث أملاً وإن ضعيفاً وطمأنينة وإن لم تلمس، أن من يريد لهذه الخريطة أن تتم بتقسيم العراق إلى فيدراليات أو أقاليم أو دويلات، لم يحدد بعد أبعاد الرسم الهندسي الجديد، من أين وإلى أين، وماذا قبلُ، ومتى، وكيف الوضع بعدُ، بالتمام والكمال، لكن الخطر داهم، وعلينا أن نتعظ أن ما مرّ من تجارب مُرة، إن كان من الخطأ اعتبارها مؤامرة، فالكارثة الأكبر اعتبارها صدفة.
عبدالله بدران
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق