خريف العلاقات بين طهران وأنقرة..من المستفيد؟
لا يختلف إثنان على برود العلاقة بين إيران وتركيا حيث ألقت مواقف كلا البلدين تجاه ازمات المنطقة بدءاً من سوريا وليس إنتهاءاً بالعراق بظلالها على خط علاقات طهران-أنقرة، مفضيةً إلى واقع خريفي أسقط جزءاً كبيراً من أوراق العلاقات المشتركة بعد إصفرارها.
أكثر ما يثير الغرابة عند الغوص في المشهد الإيراني-التركي عدم سعي أي دولة، حتى كتابة هذه السطور، للتوسط وتقريب وجهات النظر بين البلدين، بخلاف المشهد الإيراني- السعودي حيث شاهدنا وساطات باكستانية تارةً وعراقية أخرى، إضافةً إلى توصيات غربية، لتقريب وجهات النظر، فما هي أسباب هذه المفارقة.
النقاش في “الوساطات” بين مختلف الدول عموماً، وبين إيران والسعودية على وجه الخصوص، يعود إلى الحصول على إمتيازات سياسيّة أو إقتصادية أو.. منها، أي بسبب تأذي الوسيط من الخلاف بين الدول المتخاصمة، وفي كل الأحوال يبقى الهدف من الوساطة، تأمين مصالح الوسيط بدرجة أولى، قبل الدول المتخاصمة.
وأما فيما يتعلّق بالعلاقة بين طهران وأنقرة فيكشف غياب “دول وسيطة” تسعى لإعادة خريف العلاقة إلى ربيعها، عن عدم وجود مصلحة لأي دولة في تقريب وجهات النظر الإيرانية-التركية، بل أن التوتر والصراع بين تركيا وإيران يصبّ، تقريبا، في صالح الجميع.
إثر إلغاء زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة الصيف الماضي، كان من المتوقّع ظهور تحوّل في العلاقات بعد بضعة أيام أو حتى عدة أسابيع من الحوار والتشاور، وبالتالي وضع العلاقات على سكّتها السابقة، إلا أن هذا لم يحدث منذ ذلك الحين، وبصرف النظر عن جملة من الرحلات الإقتصادية والأكاديمية الضعيفة، لم نشاهد أي زيارة دبلوماسيّة مهمّة على خط أنقرة – طهران.
الفتور الدبلوماسيّة، إنتقل إلى إعلام البلدين، وتعزّز مع التصعيد الأخير، قبل عدّة أسابيع، للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إثر الخسائر التي تتلقاها الجماعات الإرهابية المسلّحة والمدعومة تركيا وأمريكيا من الجيش السوري المدعوم إيرانيا وروسيّا، ضد إيران والتي واجهها العديد من المسؤولين في طهران بلهجة أقلّ حديّة إن لم تكن مماثلة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العام الماضي سجّل أعلى نسبة من القصف والرد الإعلامي بين تركيا وإيران.
بشكل عام يمكننا القول إن التوتّر الذي بدأ العام المنصرم وإستمر حتى يومنا هذا هو الأسوأ في تاريخ العلاقة بين البلدين منذ صعود حزب العدالة والتنمية قبل 15 عاماً. وغني عن القول إن العامل الرئيسي يتعلّق بالأزمة السورية التي تمتلك حصّة “الأسد” من فتور العلاقة بين إيران وتركيا. وأما “حصّة الأسد” في “حصّة أسد” الخلافات فيمتلكها الرئيس الأسد الذي يسعى الرئيس أردوغان لإسقاطه يإعتباره “ديكتاتور”، وفق نظر الرئيس التركي، مقابل دعم طهران له بإعتباره منتخباً من الشعب السوري.
اذاً، من الواضح أن وجهات النظر متباعدة حالياً بين البلدين، إلا أن ما يلفت الإنتباه هو عدم دخول أي دولة في وساطة بين إيران وتركيا للتشاور وتقريب وجهات النظر. لماذا؟ لأن التوتر والصراع بين تركيا وإيران يصبّ تقريبا في صالح الجميع. فتوتّر العلاقة بين طهران وأنقرة يصب في صالح قطر، السعودية والكيان الإسرائيلي على الصعيد الإقليمي، وكل من أمريكا، الإتحاد الاوروبي وحلف الناتو على الصعيد الدولي. لذلك، وفي ظل غياب أي دولة “وسيطة”، تبقى القوى الداخلية، الإيرانية والتركية، من النخب الثقافية والسياسية والإقتصادية هي الأمل الوحيد في إعادة العلاقات إلى سابق عهدها.
اليوم، وفي ظل ما ذكر أعلاه، هناك ثلاثة خيارات لمستقبل العلاقات بين إيران وتركيا:
أولاً: الإستمرار في الفتور القائم، بغض النظر عن النتائج التي في أحسن أحوالها ستؤسس، إضافةً للتهديدات الأمنية المتقابلة، لمواجهة إقتصادية وسياسة عالية التكلفة لكلا البلدين.
ثانياً: السعي لوقف الهجمة الإعلامية بين البلدين، وبالتالي الحفاظ على مستوى محدّد، ولو متدنٍّ، من العلاقة غير المتوتّرة.
ثالثاً: السعي إلى حل وسطي بين أنقرة وطهران فيما يتعلّق بالازمة السورية بغية تأمين مصالح البلدين، كما من الممكن أن ينسحب هذا الحل الوسطي على الازمتين العراقية واليمنية، مما يعني سحب فتيل التوتّر والفضاء على الدعايات السلبية.
في خلاصة سريعة، ورغم أن النقطة الثالثة قد تكون أكثر مثاليّةً أو تفاؤلاً لناحية مستقبل العلاقة، إلا أن الواقع يؤكد أن الوصول إليها حالياً، ولأي سبب من الأسباب، غير ممكن. لذلك قد تكون النقطة الثانية، ومن وجهة نظر العديد من الخبراء، أكثر واقعيةً لتجنّب رفع التكاليف.
المصدر / الوقت