حرب الحلفاء ؛ امريكا في مواجهة فرنسا وإيطاليا
مع تسارع الأحداث في الشرق الأوسط واحتلال الملف السوري الجزء الأكبر من الحديث الدولي ووسائل الإعلام، تحاول واشنطن الانفراد في الساحة الليبية وتحييد شركائها الفرنسيين والإيطاليين بطريقة دبلوماسية تستفرد فيها بالقرار الليبي وتضع قدمها على بوابة أوروبا، وتسعى الإدارة الأمريكية إلى فرض نفسها في منطقة الشمال الإفريقي وخاصة في ليبيا التي لا زال الحل فيها عالقاً ينتظر التوافق بين المستعمرين الثلاث (أمريكا وفرنسا وإيطاليا).
تلعب كل من واشنطن وباريس وروما الدور الرئيسي في إدارة المتغيرات في ليبيا، ففرنسا ترى في ليبيا بوابة أوروبا، كما وصفها وزير الدفاع الفرنسي، في حين تطمح روما إلى إعادة مجدها القديم والعودة إلى ليبيا، أما عن أمريكا فهي أعطت لنفسها الوصاية على ليبيا، وبدأت تقسم الكعكة الليبية بين المريدين، ولكن على هواها، وبدأت في الآونة الأخيرة تمهد لتدخل عسكري في ليبيا من خلال الحديث عن تشكيل حلف جديد تحت قيادتها وذلك لفتح جبهة جديدة ضد تنظيم داعش الإرهابي، حسب مزاعمها.
لا نبالغ إن قلنا إنه لا شيء في ليبيا إلا ولواشنطن دور فيه، فحركة حفتر التي يقودها الجنرال الليبي خليفة حفتر على ارتباط وثيق بالأمريكيين، وكشف موقع دبكا الاستخباراتي ارتباط هذه الحركة بواشنطن، وذكر الموقع الإسرائيلي في العام الماضي أن الأمريكيين يؤمنون المال والسلاح والمعلومات الاستخباراتية لحفتر، أما عن حكومة الإنقاذ في طرابلس، فإن رئيسها عمر الحاسي تحدث بوضوح عن الدعم الأمريكي له، كما أن حكومة الإنقاذ أرسلت رسالة إلى الشعب الأمريكي واصفةً إياه بـ”الصديق”، ووجهت في الرسالة شكرًا للحكومة الأمريكية والكونغرس بسبب ما أسمته “دعم ودور أساسي ومهم في دعم عملية عودة الأمن والاستقرار لليبيا”.
لا يتوقف النفوذ الأمريكي هنا، فحكومة الوفاق الوطني التي باركها جون كيربي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فور نشوئها، تلقى دعمًا من واشنطن أيضًا، ولايقتصر الدور الأمريكي على دعم التيارات السياسية المختلفة، فحتى تنظيم داعش الإرهابي نمى في ليبيا وترعرع بين أيدي المخابرات الأمريكية وعلى مرأى من الإدارة الأمريكية التي كانت تبرر عدم مواجهتها له وللتيارات الإرهابية النامية في ليبيا بأن محاربة القذافي أولى.
تحاول واشنطن من خلال دعم التيارات السياسية الليبية المختلفة السيطرة على ليبيا سياسيًا، وتهميش الدور الفرنسي والإيطالي في هذا البلد، ورغم أن باريس وروما لعبتا دورًا أساسيًا في إزاحة القذافي، إلا أنهما فقدتا السيطرة على الأوضاع التي باتت تدار من قبل الأمريكيين، ويمكن القول إن إدارة أوباما لعبت على حبلين، الأول تدمير ليبيا وإخضاعها للسيطرة، والحبل الثاني استبعاد كافة حلفائها من الساحة السياسية في ليبيا، ونصبت أمريكا نفسها مديرًا للملف الليبي، فهي ستقود التحالف ضد داعش هناك، وهي تعلن متى وكيف ستجري العملية، وهي التي تقسم المناطق الليبية بين الفرنسيين والإيطاليين، وتثابر واشنطن لأن تجري كل هذه العمليات وفق إرادتها وإدارتها، وبشكل يتم فيه حفظ المصالح الأمريكية، والإبقاء على نفوذ أمريكي أكبر في ليبيا.
وبالنسبة لإيطاليا تتمثل أهمية ليبيا بالعديد من المصالح على رأسها النفط والغاز، إذ كانت تستورد إيطاليا من ليبيا قرابة 80% من احتياجاتها من الطاقة، وهذا ما يجعل ليبيا ثروة هامة لإيطاليا وخاصة أنها قريبة منها، وكذلك فإن ليبيا غنية بالثروات الباطنية والمعدنية، وهذا ما يمهد لمسؤولي روما الحلم ببناء دولة مزدهرة على أكتاف ليبيا، وهذه الأهداف تشجع فرنسا أيضًا على الدخول إلى ليبيا لتضاف هذه الدولة إلى قائمة الدول الإفريقية الخاضعة للنفوذ الفرنسي.
أما عن واشنطن فهي صاحبة الحلم الأكبر، إذ أنها ترى في ليبيا بوابة إلى أوروبا من الجنوب، ودولة فائقة الأهمية بسبب إطلالتها على البحر المتوسط، وبهذا تستطيع أمريكا تأمين الحماية البحرية للكيان الإسرائلي، وكذلك فإنها ستفرض سيطرة أكبر على الدول الواقعة شمال إفريقيا، ناهيك عن سعي واشنطن لتحجيم الدور الأوروبي في المنطقة، وليبيا بموقعها الاستراتيجي بالنسبة لأوروبا لا تختلف عن موقع سوريا بالنسبة لهذه القارة، فكلتا الدولتين بوابتان لأوروبا وهذا شجع واشنطن على بذل الجهود للسيطرة على زمام الأمور في ليبيا، وخاصةً بعد اليأس من السيطرة على سوريا.
الزيارات الأخيرة المتبادلة بين المسؤولين الأمريكيين ونظرائهم الإيطاليين ليست للتنسيق لبدء الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، إنما هي إملاءات أمريكية وتقسيم للحصص من قبل الراعي الأمريكي، وتحاول واشنطن تقليل الحصة الفرنسية والحصة الإيطالية لتكون هي صاحبة النفوذ الأكبر، وتسعى واشنطن إلى إدخال باريس وروما في حرب استنزاف مع الإرهاب، لتصبح المعادلة من وجهة نظر الفرنسيين والإيطاليين قليلة الربح في قبال التكاليف الضخمة التي يتطلبها القضاء على الإرهاب في ليبيا، وأمريكا معفية من هذه التكاليف، فالإرهاب يأتمر بأمرها، كما أن هناك الكثير من الدول النفطية في العالم جاهزة لتمويل واشنطن ودعمها ماليًا، وهذه المزية تفتقدها باريس وروما.
الأطراف الثلاثة تتعمد عدم إظهار الخلافات بينهم حفظًا لهيبتهم ولشعارات حقوق الإنسان التي يتحدثون عنها، وفي الواقع فإن حربًا سياسية طاحنة تجري بين هذه الدول تحت الطاولة وخلف ستار الإعلام، وأما عن مستقبل ليبيا فهو مرهون بإرادة الشعب الليبي الذي يجب أن لا يعول على أي جهود خارجية ولا يثق بأي دولة، وإلا فإن ليبيا ستصبح لقمةً سائغة يقتسمها قراصنة لا يعرفون الشبع، وهذا ما يستوجب على الليبيين أن يعملوا بجد وإخلاص لاستنقاذ بلادهم من فكي كماشة الاستعمار التي تهدد حاضر ومستقبل ليبيا والمنطقة.
المصدر / الوقت