التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

الحلفاء يستهزوؤن ببعضهم ! كيف عرَّت اجهزة الاستخبارات البريطانية والأمريكية جهاز الموساد ؟ 

لم يكن خبر فضيحة قيام كلٍ من واشنطن ولندن بالتجسس على الكيان الإسرائيلي، خبراً عادياً. وإن لم تظهر حتى الآن ردة الفعل الغربية على حقيقتها، نتيجة حالة الصدمة التي تنتاب الجميع. في حين يجب القول أن مسألة أثر هذه الفضيحة، أكبر من اختراق جهازٍ أمنيٍ لآخر. بل لها العديد من الدلالات التي سنطرحها في هذا المقال. فماذا في الفضيحة المدوية؟ وما هي دلالاتها الخطيرة؟

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن واشنطن ولندن تجسستا على طائرات مقاتلة وطائرات مراقبة دون طيار إسرائيلية ضمن برنامج سري جرى تنفيذه في وقت كانت تلوِّح فيه تل أبيب بشن ضربة عسكرية ضد إيران. وذكر تقرير لموقع “ذي إنترسبت” أن برنامج المراقبة السري والمسمى “Anarchist” كان يشرف عليه مركز الإتصالات الحكومية في بريطانيا، وهو جهاز مخابرات معروف اختصاراً باسم “GCHQ” ووكالة الأمن القومي وذلك انطلاقاً من قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في قبرص. كما أشارت الواشنطن بوست الى إن برنامج المراقبة البريطاني الأميركي بدأ العمل به عام 1998، وكان يتم التجسس بشكل مُركَّز على نشاط طائرات دون طيار يشغلها الكيان الإسرائيلي.

وهنا وفي وقتٍ قلل فيه مسؤولٍ إسرائيلي، في تصريحاته لصحيفة هآرتس بأن ما أظهره التقرير ليس بالخطر الكبير، مؤكداً من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية لم تتضرر جراء عمليات التجسس المذكورة، فإن الصحيفة ذاتها نقلت عن جهات إسرائيلية رسمية رفيعة المستوى لم تكشف عنها، قولها تعليقاً حول تسريب هذه المعلومات بأنها الأخطر منذ قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948. كما اعتبرت المصادر أن ما قامت به كلٌ من أمريكا وبريطانيا هو بمثابة هزة أرضية لدى أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية، وأن هذا التسريب هو الأخطر الذي حصل لجهاز الإستخبارات الإسرائيلية، وبالتالي فقد قام الأمريكيون والبريطانيون بتعرية الكيان الإسرائيلي بقوة.

وبعيداً عن الكلام المُتداول، يبدو أن الغرب لم يعرف حتى الآن ما هي الخطوة التي يجب عليه القيام بها، جراء خبرٍ كهذا. فيما اكتفت الصحف الغربية بنقل ما ذكرناه أعلاه، دون الخوض في التحلیلات، فيما يدل على حجم الإرتباك الحاصل. وهنا نُشير للتالي:

يجب القول في البداية بأن ما قام بتسريبه ادوارد سنودن الذي عُرف بـ “ملخص موازنة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية” كشف أن تل أبيب تعد هدفاً ذا أولوية فيما يخص عمليات محاربة التجسس وهو أمر غير مستغرب، خصوصاً أن تاريخ العلاقات بين الطرفين اتصف بحالات عديدة من التجسس المتبادل. وهو الأمر الذي كشفته صحيفة الغارديان البريطانية، من خلال ما قالت أنه يرجع لوثيقة عسكرية بريطانية تعود لعام 2008، تؤكد بأن برنامج المراقبة الذي حصل كان ضرورياً لفهم العمليات العسكرية التي تقوم بها تل أبيب، واستشراف المتغيرات المستقبلية في المنطقة.
من جهةٍ أخرى وعلى الرغم من اعتبار هذه الحادثة الأخطر بالنسبة للكيان الإسرائيلي، فقد نشرت وول ستريت جورنال الشهر المنصرم، معلومات تفيد بأن واشنطن بالتحديد لم تكف عن التجسس على نتنياهو ومساعديه المقربين، في أعقاب الكشف عن وثائق سنودن المتعلقة بالتجسس الأمريكي على زعماء الحلفاء. واليوم وبناءاً للفضيحة الجديدة، يتبين بأنه ومن العام 2009 على الأقل تجسست الولايات المتحدة بحجم متزايد ليس فقط على رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي وحاشيته القريبة بل وقامت بجمع معلومات هامة للغاية عن نشاط الجيش الإسرائيلي وأجهزة الإستخبارات في المواضيع الأكثر حساسية.
لذلك فإن أثر فضح هذه العملية، يعتبر أمراً سيأخذ جدلاً كبيراً لا سيما في الأوساط الغربية. وهنا فإن ردة الفعل الألمانية تعتبر نموذجاً لذلك. فبحسب تقريرٍ لمجلة دير شبيغل الألمانية نشرته يوم الجمعة المنصرم، وقامت بنقله صحيفة الدويتش فيلا أيضاً، فإن أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية نجحت فى تقييم بيانات جمعتها طائرة عسكرية إسرائيلية بدون طيار من نوع “هيرون تي بي” (Heron TP) وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات على الجيش الألماني أيضاً، خصوصاً أنه قرر قبل فترة وجيزة استئجار طائرات بدون طيار من الجيش الإسرائيلي وهي من نفس النوع الذي تم التجسس عليه. مما يجعل العملية أمراً أكبر من مجرد تجسسٍ على طائرة تجمع البيانات لتل أبيب، ليصل الى كونه أمراً يضرب نوعية المنتج العسكري الإسرائيلي ويطرح العديد من علامات الإستفهام حول أهلية الإعتماد عليه.
في السياق نفسه، نقول أن مسألة الفضيحة هذه، ستجعل واقع الثقة الذي يتغنى به ما يُعرف بالحلفاء لواشنطن، أصبح من الماضي. ولعل الأبرز في هذا الموضوع هو مصداقية واشنطن في علاقتها مع تل أبيب. فلن نصل بالتحليل الى نتيجةٍ نقول فيها أن أمريكا كانت تخدع العالم بأهمية الكيان الصهيوني لديها، لكنه يتبيِّن اليوم بأن البراغماتية الأمريكية والتي تتعاطى مع مصالحها دون أي ضوابط، أصبحت تفرض على واشنطن التجسس على طفلها المُدلل، خوفاً من خياراتٍ قد يأخذها. وهو الأمر الذي سيجعل الغرب اليوم، يُعيد النظر في تجسس واشنطن عليه. فإذا كانت أمريكا تتجسس على تل أبيب، فهل سيكون مُستغرباً تجسسها على الدول الأوروبية التي تعتبر من الدرجة الثانية في العلاقة؟
إن القيام بتحليل ما فُضح يمكن أن يتحول الى دروسٍ كثيرة لا مجال لذكرها. لكنها السياسة الأمريكية التي لم تترك أياً من حلفائها ومهما كانت درجته، إلا وجعلته رهن البراغماتية القاتلة. فيما ينظر المعنيون في ملفات الأمن القومي وأجهزة الإستخبارات، الى المستقبل بتشاؤم. فلعبة الإستخبارات كانت قاتلة، وأصبحت سلاحاً ذا حدين. فلم يعد بالإمكان الوثوق بأحد. فيما يمكن القول أنها لغة التجسس التي تفرضها مصالح الدول، في زمنٍ مُعقدٍ أصبحت فيه المصالح متضاربة. وهو الأمر الذي أكدته الفضيحة المُسربة. لنقول بإختصار، إنه زمن الفضائح، وهكذا يستهزء الحلفاء ببعضهم. وقد أضيف للتاريخ، بأن أجهزة الإستخبارات البريطانية والأمريكية قامت بتعرية جهاز الموساد يوماً ما، وجعلت من جميع أجهزة الإستخبارات الغربية، مثالاً للإستهزاء.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق