التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

مفاوضات جنيف سقطت في الميدان السوري ، وانتهت معها المعارضة السورية 

في وقتٍ أثبتت فيه الأحداث أن الميدان فقط يحسم الخيارات، يبدو أن جميع الأطراف أصبحت مُتيقِّنة بصعوبة إنعقاد مفاوضات جنيف. ولعل إعلان المبعوث الأممي دي ميستورا تعليق المفاوضات حتى 25 شباط الجاري، لا يمكن أن يكون بادرة أملٍ، إذ أن هذا التعليق ليس سوى محاولةٍ لكسب الوقت، وإبعاد الفشل عن مهمة المبعوث الدولي. في وقتٍ كان واضحاً فيه، حضور وجدية الطرف السوري الرسمي المتمثل بمندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري، مقابل التخبط الكبير في تمثيل ما يُسمى بالمعارضة. فكيف يمكن قراءة مفاوضات جنيف بطريقةٍ موضوعية؟ ولماذا فشلت المفاوضات قبل أن تبدأ؟

من خلال متابعة المجريات يمكن الإستدلال وبسهولة على عدد من النقاط الأساسية والتي يجب الوقوف عندها:

منذ أن بدأ التحضير للمفاوضات، كان الطرف السوري الرسمي والممثل للنظام الشرعي، جاهزاً بكل ما للكلمة من معنى. حيث أنه أعلن وبوضوح عن ممثله الأساسي الى جانب الوفد المرافق. كما كانت حقيبته جاهزة لطاولة المفاوضات، مع ما تتضمَّنه من ملفات واضحة بالنسبة له.
أما في الطرف المقابل، فقد كان فريق ما يُسمى بالمعارضة السورية، ما يزال منهمكاً في تحديد وفده، ليتبيَّن فيما بعد أنه يوجد اختلافٌ بين المعارضين، إذ أن أطراف المعارضة، مختلفة ليس فقط على التمثيل بل على المطالب.
وهنا لا تحتاج المسألة الى كثيرٍ من التحليل. ففقد بيَّنت المرحلة التي سُميت “التحضيرية” للمفاوضات، بأن المعارضة تختلف فيما بينها وذلك لأن عواصم القرار التي تقف خلفها، لا تزال مختلفةً على التمثيل والأجندة التي تحملها. في حين كان الطرف السوري متماسكاً ومرتاحاً منذ البداية.
أما فيما يخص الطرف الدولي، فلا يمكن القول أنه لم يكن يسعى لإنجاح المفاوضات، لكن السعي الذي بدا واضحاً لدى ديمستورا بإنجاح المفاوضات ولو شكلياً، طغى هذه المرة. حيث أن اختلاف المعارضة الواضح والذي نشأ عنه قرارها بالمشاركة بوفدين، دفع المبعوث الأممي لإيجاد توليفةٍ تتصف بمشاركة وفدين لكن برئيسٍ واحد، وهو الأمر الذي أوضح بأن الخلافات بين المعارضة أعمق مما يمكن أن يتصورها أحد.
أما اليوم وبعد أن فشلت المفاوضات، فالمشهد الذي ذكرناه أعلاه، يحتاج للغوص في تفاصيله والقراءة بين سطوره، فالتوصيف لا يكفِ. وهنا نقول أننا لا نتكهَّن، بل نحاول نقل الواقع من منظار الحقيقة. لذلك نقول التالي:

كانت التحضيرات للمفاوضات والتي بقيت في مرحلة التحضير إذ أنها لم تنعقد، تجري في ظل أحداثٍ ميدانية متصاعدة في الميدان السوري. وهو الأمر الذي يعيد تأكيد مقولة أن أوراق المفاوضين السياسية ليست إلا نتيجة الميدان العسكري. وبالتالي فإن الأحداث المتتالية التي اتسمت بتحقيق الجيش السوري وحلفائه العديد من الإنتصارات على الأرض، جعلت حقيبة المعارضين فارغة. لتسقط منهم هذه الحقيبة مع تحرير نبل والزهراء.
وهنا نشير الى أن الأحداث المتواترة، وربطها بالمفاوضات، جعلت الأطراف الإقليمية التي تُدير المعارضة، تحديداً السعودية وتركيا، في حالةٍ من الضياع السياسي. بل أكد مسار الأمور أن الطرفين التركي والسعودي لم يكونوا يوماً دُعاة حوار، وأنهم ما يزالون يراهنون على الأرهاب في سوريا من أجل تحقيق المكاسب. وهو الأمر الذي دفع وزير الخارجية الروسي ونائبه، للتأكيد في أكثر من تصريح في الأيام الأخيرة على أن الحرب الروسية على الإرهاب ستستمر، وليس الموضوع أمراً قابلاً للنقاش.
لذلك شعرت أطراف المعارضة بأنها ستذهب الى محادثاتٍ لا تملك فيها أي أوراق. فهي فشلت في الميدان بعد تراجع نفوذ وقوة الإرهاب المتمثل بجبهة النصرة وداعش. كما أن الطرف الروسي ليس حاضراً للتماشي مع ادعاءاتها. وهو الأمر الذي عبر عنه رياض حجاب الناطق بإسم الوفد الذي تدعمه السعودية، بالقول بأنه لن يعود الى المفاوضات قبل تلبية طلب المعارضين بالنظر الى الحالة الإنسانية لبعض المناطق في سوريا. وهو الأمر الذي قصد منه محاولة إعطاء الإرهابيين في تلك المناطق، فرصةً لأخذ نفسٍ عسكريٍ نتيجة حالة الإنهاك التي يعيشونها بسبب عمليات محور الحلفاء. وبالتالي فلا ربط لمطالبه بالملف الإنساني حقيقةً.
أما الطرف السوري الرسمي فهو في الحقيقة يمثل محور الحلفاء. ولأن الميدان يسير معه بإنجازاته العسكرية، فهو مرتاحٌ لكل ما يبدر منه. ذهب الى المفاوضات بحسن نية. كان واضح التمثيل والأجندة السياسية. أكد على أن الحوار أمرٌ ضروري ويمكن خوضه تحت سقف إحترام الشرعية السورية ومطالب الشعب السوري.
بناءاً لما تقدم، إن المشهد الذي قمنا بتصويره ثم تحليله، يحمل العديد من النتائج التي يجب ملاحظتها. وهنا نقول التالي:

أكد النظام السوري ممثلاً بالوفد الرسمي له، أنه جاهزٌ لكل ما يخدم العملية السياسة. دون أن يضع شروطاً مسبقة. فمطالبه هي بالحقيقة تمثل سقف السيادة السورية واحترام خيارات الشعب السوري. أما الوفد المعارض، فبدا واضحاً أنه ورغم اختلاف أطرافه، اتصف بأنه لا يحمل إلا الشروط العالية، البعيدة عن الواقع الميداني والسياسي في سوريا. كما أن انقساماته الداخلية، جعلته يدخل في معارك خاصة وشخصية، تُعبر عن توجهات داعميه الإقليميين، ولا علاقة لها بمصلة سوريا الكبرى.
أثبتت الأطراف الإقليمية تحديداً تركيا والسعودية، أنها ما تزال تراهن على الإرهاب. وهو الأمر الذي أكده مصدر في المعارضة لوسائل الإعلام، بأن الأتراك أقنعوا السعوديين بعدم الذهاب للمفاوضات، فخطوط الإمداد في الشمال مع المجموعات المسلحة ستؤدي قريباً إلى إحكام الطوق على حلب نفسها، وان مراجعة سياسية وعسكرية باتت تفرض نفسها. والتالي فإن ما يجمع الطرفين السعودي والتركي هو الإرهاب ليس أكثر. كما أن زيف ادعاءات المعارضين ومطالباتهم الإنسانية، ليست إلا ظاهراً للتماشي مع الأوامر التركية السعودية.
أظهرت الأحداث بأن المواقف الدولية الغربية، ليس إلا إدعاءات تتسم بالنفاق. وهو الأمر الذي يمكن الإستدلال عليه، من خلال تصريحات كلٍ من المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي والذي حاول التصوير بأن الطرف الروسي هو خلف فشل المحادثات. في وقتٍ عبَّر فيه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن إدانة فرنسا لما اعتبرته الهجوم الوحشي الذي يشنه النظام السوري بدعم من روسيا لتطويق وخنق حلب وسكانها. ليتبين أن الغرب يتماشى مع الأصوات الإقليمية التي تحاول إعطاء الإرهاب في الشمال السوري وقتاً، وبالتالي الرهان عليه.
إذن أسقط الميدان مفاوضات جنيف. فتحرير نبل والزهراء جاء ليقصم ظهر الإرهاب والمراهنين عليه. فيما بات واضحاً أن المفاوضات لم تعد حاجةً إلا للمعارضين الباحثين عن مستقبلٍ سياسيٍ مُهددٍ من الخصوم والحلفاء. فالواقع الميداني الذي يُديره محور الحلفاء لا يُنبئهم بمستقبلٍ سياسيٍ مُشرقٍ طالما وُعدوا به. كما أن السياسة الأمريكية التي يُبحرون في قاربها، ليست إلا براغماتية أصبحوا يدركون أنه لا يمكن الإعتماد عليها.

لقد سقطت المفاوضات، برصاصة الميدان السوري، وانتهت معها المعارضة السورية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق