تحرير نبل والزهراء : دلالات عسكرية تتخطى جغرافيا العملية ورسائل اكبر من الميدان السوري
تتهافت التحليلات فيما يخص الأزمة السورية، خصوصاً في ظل الأحداث الأخيرة والتي شكلت منعطفاً في القراءة السياسية لمستقبل الصراع الدائر في سوريا. فبين المفاوضات التي ينظر لها العالم، والميدان العسكري السوري، علاقةٌ تتخطى كل التوقعات. ولعل الحدث الأبرز الذي يحتاج لتسليط الضوء عليه، هو انتصار نبل والزهراء، وما يشكله ذلك من تغيُّرٍ كبير وجذري في الصراع الدائر في الميدان السوري. فكيف يمكن قراءة الإنجاز العسكري النوعي الذي أفضى لتحرير نبل والزهراء؟ وما هي أبعاد ذلك الإستراتيجية؟
قد تكثر التحليلات لا سيما المتعلقة بالميدان. لكن حالة الصدمة التي انتابت الأطراف الإقليمية والدولية والتي شكلت جزءاً من المؤامرة على سوريا، عبَّرت عن صدمتها من خلال مطالبة الجيش الروسي بوقف استهداف المدنيين بحسب تعبيرها. وهي ذاتها لم تُطلق أي موقفٍ تجاه حصارٍ دام ما يقارب الأربع سنوات، على منطقةٍ انقطع أهلها عن العالم.
لكن وبعيداً عن كثرة التكهنات، يمكن القول إن صفحةً جديدة انطوت في الميدان السوري. فيما حملت عملية كسر الحصار عن نبل والزهراء، العديد من الدلالات المهمة، والتي تتجاوز في قراءتها، المرحلة الحالية، وتعتبر أكبر من جغرافيا نبل والزهراء، وتتخطى برسائلها الأطراف الإرهابية التي كانت تقود الميدان. وهنا نشير للتالي:
شكل هذا الإنتصار الكبير ضربة قوية للجماعات الإرهابية المسلحة. وهو ما سينتج عنه حتماً، تراجعٌ في المعنويات، وتزعزع فيما يسمى البنية العسكرية للمسلحين. مما سيتحول بالنتيجة الى اقتتالٍ فيما بينهم. وهو ما كان يجري سابقاً، كلما قام محور المقاومة، بالإمساك بأي أرضٍ في الميدان العسكري. وهنا فإن هذا التحول المعنوي على صعيد الجماعات الإرهابية المسلحة، سيكون معاكساً على الصعيد المعنوي لقوات حزب الله. خصوصاً بعد هذا الإنجاز الكبير، والذي يُعتبر مهماً من الناحية العسكرية التنفيذية.
فمنذ محاصرة المنطقة من قبل الإرهابيين، أخذ حزب الله الى جانب الجيش السوري واللجان الشعبية، قراراً بالعمل والتعاون من أجل تحرير المدينة. وهو الأمر الذي شابه العديد من المخاطر، نتيجة الجغرافيا العسكرية المعقدة ميدانياً. فهي تبعد ما يقارب 30 كلم عن الحدود التركية، وشكلت بحد ذاتها ورقة ضغطٍ عسكرية على محور المقاومة. الأمر الذي احتاج الى مخططٍ عسكريٍ مُحترفٍ يراعي العديد من الأمور في الميدان، يأتي في مقدمتها، كيفية تحرير البلدة من الإرهابيين، والأخذ بعين الإعتبار حماية وسلامة الأهالي المتواجدين فيها. وهو الأمر الأصعب من الناحية العسكرية لجهة الحاجة للحرفية في اختيار السلاح المناسب، كونها لم تكن عمليةً عسكريةً مفتوحة، بل تحتاج لحذرٍ في التخطيط والتنفيذ.
وهنا فإن التجربة الكبيرة والتاريخية لحزب الله، خصوصاً في قتاله مع قوات الکيان الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، شكلت قاعدةً لقوات النخبة في الحزب، والتي استطاعت المزج بين طبيعة الميدان العسكري، والهدف. مع الأخذ بعين الإعتبار حساسية الواقع الذي يتواجد فيه الأهالي. وبالتالي فإن هذا الإنتصار، أعطى حزب الله زخماً معنوياً إضافياً، يمكن زيادته على كل ما سبقه من إنجازات. ويدحض بالتالي كل الحملات التي كان يشنها البعض عليه.
وليس بعيداً عما سبق، فإن هذا الإنجاز لن يكون إلا مقدمةً لما سيلحق به من انتصاراتٍ في الميدان العسكري السوري عموماً. فالقوة التكتيكية العسكرية استطاعت فك الحصار عن منطقة نبل والزهراء، والتي تقع في صلب المنطقة الآمنة التي اعلنت عنها تركيا، والتي تمتد 110 كلم من جرابلس الى عفرين، ويبلغ عمقها 30 كلم كما يُشير الخبراء العسكريون. وهو الأمر الذي يشكل ضربةً لتركيا، ومخططها الذي يعتمد على الإرهاب.
لذلك فإن هذا الإنجاز، يعتبر مقدمةً لتحرير الفوعة وكفريا. كما يعتبر تغيُّراً في موازين القوى، لصالح الجيش السوري وحلفائه على الصعيدين العسكري والسياسي. وهو يعكس التطور التكتيكي والإستراتيجي في المخطط العسكري للحلفاء. فيما يعكس في الجهة المقابلة، خسارة الجماعات الإرهابية لما يُعرف بعامل القيادة والسيطرة.
على الصعيد الميداني والجغرافيا العسكرية، فقد تم فصل الريف الشمالي لحلب عن ريفها الغربي الأمر الذي أدى بالنتيجة الى قطع خطوط الإمداد التي تصل الجماعات الارهابية فيما بينها وعبر تركيا. مما سيساهم في إعادة تموضعٍ عسكريٍ لكل الأطراف، ستكون نتيجتها تأمين المنطقة ومحيطها، وإحكام الطوق على مدينة حلب.
على الصعيد الداخلي، فإن الشعور بالأمن سيزداد في الداخل السوري، وهو الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الأمان الإجتماعي، الذي افتقده السوريون منذ أن حوصرت عدة مناطق من قبل الإرهاب ومنها منطقة نبل والزهراء. الأمر الذي يُسجل للنظام السوري.
إذاً أثبتت الأحداث أن الصبر والعزيمة هما مفتاح النصر الحتمي. فلا شك بأن صبر الأهالي في منطقة نبل والزهراء، كان أساساً في تحقيق الإنتصار. فيما يمكن القول إن العزم الذي تحلى به المقاتلون في الميدان، الى جانب القدرات العسكرية المحترفة، قلبت الموازين وأرسلت رسالةً مُدوية الى جميع الأطراف في الميدان وما بعد الميدان، بأن القادم سيحمل الإنتصارات الحتمية.
لقد أثبت تحالف محور المقاومة، الى جانب روسيا، قدرةً عاليةً على قيادة الميدان حتى الإنتصار. فيما بدا واضحاً التصميم الروسي على ضرب الإرهاب، وإيصال رسائل الى من يهمه الأمر ولو كان تركياً. فمحاولات ترسيخ واقع الإرهاب واللعب على الوتر الطائفي لم ولن تنجح. لنقول إن تحرير منطقة نبل والزهراء، كان ضربةً تحمل في طياتها الكثير من الرسائل. ليتحول الحصار على نبل والزهراء، الى بوابةٍ للإنتصارات المقبلة، والإنجازات النوعية. فيما كانت دلالاته السياسية والعسكرية تتخطى جغرافيا العملية، ورسائله أكبر من الميدان السوري.
المصدر / الوقت