التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

انتهاء نصف قرن من التدخل الفاشل في الشرق الأوسط 

تحت هذا العنوان كتبت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية مقالاً جاء فيه:

مع إنتهاء فترة الحرب الباردة بين أمريكا والإتحاد السوفيتي إثر إنهيار الأخير في بداية تسعينات القرن الماضي كان من المتوقع أن يتقلص التدخل الأمريكي المباشر في شؤون الشرق الأوسط لأنه لم يعد هناك أي مبرر لهذا التدخل الذي إستمر لأكثر من نصف قرن من الزمان، ولكن ما حصل هو العكس، إذ أضحى الدور الأمريكي أكثر عمقاً وأشد تأثيراً من ذي قبل في تحديد مسارات الأحداث في هذه المنطقة.

وقالت فورين بوليسي التي تُعد من الإصدارات ذات التأثير على واضعي السياسة الخارجية الأمريكية إن إستراتيجية “الإحتواء المزدوج” التي إعتمدتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في الشرق الأوسط أواسط فترة التسعينات من القرن الماضي للعب دور شرطي المنطقة قد حلّت محل إستراتيجية “توازن القوى” التي كانت تعتمدها واشنطن في السابق، مشيرة إلى أن تلك الإستراتيجية إقتضت الإحتفاظ بعدد كبير من القوات الأمريكية البريّة والجويّة في العديد من دول المنطقة في مقدمتها السعودية، ومهّد ذلك السبيل لظهور حركات متطرفة كان من أبرزها تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن الذي أُتهم فيما بعد بالوقوف وراء تنفيذ هجمات 11 أيلول / سبتمبر عام 2001 في أمريكا، ومنذ ذلك الحين بدأت أمريكا بزيادة عديد قواتها في الشرق الأوسط في إطار إستراتيجية جديدة إعتمدتها إدارة الرئيس جورج بوش الإبن والتي تميزت بكونها إدارة حرب أكثر مما هي إدارة سياسية، فقد ضمّت في صفوفها ديك تشيني (نائب الرئيس) ودونالد رامسفلد (وزير الدفاع) و كوندليزا رايس في حقيبة الخارجية، وهؤلاء كانوا إمّا شخصيات عسكرية أو مخابراتية من الطراز الأول.

وتمخضت هذه المرحلة عن إحتلال أمريكا لبلدين مهمين في المنطقة هما أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003. وفي عام 2004 طرحت الإدارة الأمريكية ما عرف بمشروع “الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” الرامي إلى إعادة تقسيم المنطقة وفقاً لمخطط جديد يهدف إلى ضمان ما تسميه الإدارة الأمريكية “أمن إسرائيل” والسيطرة على منابع النفط في المنطقة ورسم الخريطة السياسية لدولها بما ينسجم مع الخطوط العريضة والتفصيلية لهذه الإستراتيجية.

وتزامن إجراء هذا المخطط مع إنتخاب باراك أوباما لرئاسة أمريكا والذي أعلن بدوره عن نيّته لسحب قوات بلاده من العراق وأفغانستان وبدء صفحة جديدة من العلاقات مع العالم الإسلامي وإحياء مفاوضات التسوية بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس على أساس حل الدولتين والتوصل إلى إتفاق بشأن برنامج إيران النووي. ولم ينجح أوباما في تحقيق أي نجاح يذكر في الموارد الآنفة الذكر سوى توقيع الإتفاق النووي مع إيران في إطار المجموعة السداسية الدولية التي تضم أيضاً روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فلازالت سوريا تعيش أزمة دموية منذ خمس سنوات بسبب تدخل أمريكا وحلفائها الغربيين والإقليميين في شؤون هذا البلد، كما إستمر تنظيم القاعدة في ممارسة نشاطاته الإرهابية في عدد من دول المنطقة، في حين زاد تنظيم “داعش” الإرهابي من عملياته الإجرامية في مختلف أرجاء العالم، وتحول العراق وليبيا واليمن إلى دول غير مستقرة، وتوقفت مفاوضات التسوية بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية دون تحقيق أي نتيجة تذكر.

وقالت المجلة إنّ أمريكا لم تعد تعرف الآن من هم أصدقاؤها ومن هم أعداؤها في الشرق الأوسط، واليوم فإنّ ثمة غموضاً أكبر يكتنف مصالح أمريكا في المنطقة، ما يجعل من المنطقي التساؤل عن طبيعة الدعم الذي تقدمه لشركائها التقليديين، كما أنه لا يوجد إجماع حول كيفية التعامل مع التشكيلة “المربكة” من الأطراف والقوى المتناحرة حالياً في المنطقة.

وبنظر المجلة ثمة شيء جلي يتمثل في أنّ السياسات التي دأبت أمريكا على إتباعها في الشرق الأوسط منذ أربعينيات القرن الماضي لم تعد كافية بأي حال من الأحوال، ذلك أنّ واشنطن لا تزال تظن أنّ الشرق الأوسط يُمكن أن يُدار بتملق حكامه المستبدين لكسب رضاهم، وبدعم الكيان الإسرائيلي دعماً كاملاً، والتركيز على فكرة أنّ المنطقة بحاجة لقيادة أمريكية، غير أنّ هذا المنطق -بحسب المجلة- لم يعد يحقق النجاح المأمول، كما أن السياسة الأمريكية السابقة لم تعد تجدي نفعاً.

وتساءلت المجلة في جانب آخر من مقالها عن الأسباب التي تجعل أمريكا تواجه صعوبات في الشرق الأوسط، قبل أن تجيب بأن السبب يكمن في فشلها في أن تأخذ في الحسبان التطورات المفاجئة التي أحدثت تحولاً في المشهد الإستراتيجي في هذه المنطقة.

وأقرت المجلة بأن العلاقات الأمريكية مع حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط هي الآن في أدنى حالاتها، فتركيا إنحرفت عن مسارها وعادت إلى الحكم الاستبدادي في عهد رجب طيب أردوغان، وما زال الكيان الإسرائيلي يرفض مبدأ حل الدولتين الذي تفضله واشنطن، وسقطت مصر مرة أخرى بيد المؤسسة العسكرية، أمّا العلاقات مع السعودية فقد شابها التوتر بسبب الإتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية والإختلافات بشأن المقاربة إزاء الازمة السورية، إضافة الى القلق المتنامي تجاه الدور السعودي في الترويج للفكر الوهابي الذي يُلهم جيلاً من المتطرفين المناوئين للغرب.

وتابعت المجلة: إن الانهيار المفاجئ لأسعار الطاقة واحتمال حدوث تخمة طويلة الأجل في النفط المعروض أثارت شكوكاً حول المعايير الإستراتيجية التي طالما شكّلت أساساً لتورط أمريكا في المنطقة منذ عام 1945. فهي لم تعد تستورد كميات كبيرة من نفط أو غاز الشرق الأوسط، كما أن الخطر من إنقطاع إمدادات كبيرة من الطاقة أقل في الوقت الراهن من أي وقت مضى. وإذا إستطاعت أمريكا ألّا تعتمد قدر الإمكان على إستيراد الطاقة، فسيظل سبب استمرارها في إنفاق المليارات للدفاع عن إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط نيابة عن الدول الأخرى أمراً غير واضح. ولهذا بات من الصعب معرفة ما ينبغي أن يكون عليه دور أمريكا، لأن أدوات السياسة العامة التي كان من السهل على واشنطن إستخدامها ليست ذات صلة بالأزمات التي تهز المنطقة الآن.

وأشار المقال كذلك إلى أن علاقات أمريكا مع بعض حلفائها الإقليميين وفي مقدمتهم الكيان الإسرائيلي بدأت تتعرض للإهتزاز نتيجة تقاطع المصالح بين هذه الأطراف، خصوصاً فيما يتعلق بالموقف من البرنامج النووي الإيراني ومفاوضات التسوية على أساس حل الدولتين.

وأضافت المجلة: واجهت أمريكا خلال العقدين الأخيرين معضلة حقيقة في الشرق الأوسط تمثلت بمحاولتها فرض نفسها بالقوة على دول المنطقة من خلال الإستخدام المفرط للقوة العسكرية في تنفيذ مشاريعها كما حصل في العراق وأفغانستان، في حين تعتقد شعوب هذه الدول أن التغيير المطلوب يجب أن يتم عن طريق دعم المؤسسات الديمقراطية وبناء الأسس الرصينة لإختيار نوع الحكم في هذه الدول على أساس الكفاءة والوطنية وليس على أساس الولاءات الحزبية أو المناطقية.

وأردفت فورين بوليسي: من خلال هذه المعطيات يمكن القول إن أمريكا بدأت تفقد بوصلتها في كيفية إدارة الأحداث في الشرق الأوسط، وهذا الأمر تجلّى بوضوح خلال المناظرات السياسية التي يجريها المرشحون للإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، والذين عكست تصريحاتهم مدى التخبط الذي يعيشه هؤلاء بشأن السياسة التي ينبغي على واشنطن أن تنتهجها حيال الشرق الأوسط، في حين يؤكد الكثير من المراقبين بأن المنطقة لم تعد تحتمل أي تدخل خارجي في شؤونها، مشددة على أن مصير الشرق الأوسط ستقرره نفس شعوب المنطقة، وليس أمريكا.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق