تركيا وازمة الثقة مع واشنطن : حين يصبح الأكراد ورقة مهمة في الاستيراتيجية أمريكية
ما تزال القضية الكردية عالقةً بين الطرفين الأمريكي والتركي. ولعلها تشكل اليوم مشكلةً خلافية، بين كلٍ من أنقرة وواشنطن. ففي وقتٍ أصبح الأكراد ورقةً مهمةً لأمريكا، وهو ما ترجمته المساعدات الأمريكية العسكرية بالتحديد والتي تحدثت عنها الواشنطن بوست مؤخراً، يبدو أن هذه الورقة تجعل تركيا تنظر بحذرٍ شديد الى الحليف الأمريكي. وهو ما أكده أردوغان في تصريحة أمس. فكيف يمكن قراءة المشهد الخلافي بين واشنطن وأنقرة؟ ولماذا تخاف تركيا على مصالحها؟ وماذا يجب أن يعرف الأكراد عن نوايا واشنطن الحقيقية؟
مخاوف تركية المعلنة وأزمة الثقة مع واشنطن:
أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد عن غضبه إزاء دعم واشنطن لأكراد سوريا والذين يعتبرهم مقربين من حزب العمال الكردستاني. لكن أردوغان لم يكتف بإعلان استيائه، بل دعى واشنطن للإختيار بين تركيا و”إرهابيي كوباني” بحسب وصفه. وهو الكلام الذي جاء رداً على الزيارة التي قام بها مؤخراً المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى التحالف الدولي ضد ما يُسمى الجهاديين، بريت ماكغورك، إلى “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تسيطر على كوباني السورية. وهنا فإن الدعم الأمريكي المعلن للأكراد، يطرح العديد من الأسئلة، حول حقيقة الحلف الأمريكي التركي، وأزمة الثقة الدائمة بين واشنطن وحلفائها. فكيف يمكن وصف مشكلة اليوم بين الطرفين ومما تخاف تركيا؟
الواقع الذي يُخيف تركيا:
انتهت واشنطن في تشرين الأول الماضي من تأسيس قاعدة عسكرية في الشمال الشرقي من محافظة الحسكة، وهي المنطقة الخاضعة لسيطرة حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي والذي تعتبره أنقرة ذراعاً لحزب العمال الكردستاني في تركيا. وهو ما يجعل الطرف التركي ينظر بريبة، لهذه السياسة الأمريكية الواضحة، ويثير تساؤلات وشبهات حول الدور المستقبلي الذي ترغب واشنطن في لعبه، وخاصة فيما يخص أعتبارها الورقة الكردية ورقة سياسية مهمة بالنسبة لها، الأمر الذي يجعل الطرف الأمريكي مضطراً لدعمها عسكرياً، على الحدود التركية السورية والعراقية. من جهةٍ أخرى، فإن دعوة حزب الإتحاد الديمقراطي للمشاركة في محادثات جنيف هو من الأمور الذي أعتبرتها تركيا خطاً أحمراً تم تجاوزه، الأمر الذي جعل رئيس الوزراء التركي يعارض وبشدة إعطاء دورٍ ما للطرف الكردي.
وهنا فإن تركيا تعتبر بأن طموح الأكراد وتطلعاتهم، لا تقتصر في البحث عن دورٍ معين أو الإنفصال فحسب، بل تتخطى ذلك لمسألة السعي لتغيير الحدود التركية السورية، وهو ما من شأنه أن يشكل انهيارا لمعاهدة لوزان 1923 التي رسمت الحدود التركية. وهو الأمر الذي وبحسب المعطيات، يُعتبر أصل المشكلة بين الطرفين الأمريكي والتركي.
بالتالي فإن المشكلة تتفاقم بالنسبة لأنقرة عندما تجد نفسها أمام مشهدٍ حصارها الحالي بحسب ما يُشير أصحاب الرأي الأتراك. فروسيا بحسب وصفهم، تقف على عتبات البوابات الشمالية والجنوبية للجمهورية التركية، والجهود الروسية مستمرة على قدم وساق لإتمام إنشاء قواعدها العسكرية الإستراتيجية في المنطقة الشمالية السورية بالقرب من الحدود التركية. كما أن أنقرة تُبدي خشيتها من أن يسمح الدعم العسكري الأميركي للأكراد السوريين، والذين يسيطرون على جزء كبير من أقصى الشمال السوري على طول الحدود التركية، بتوسيع نفوذهم غرباً.
المشكلة الأمركية التركية ليست جديدة:
لا تعتبر المشكلة الأمريكية التركية المستجدة مشكلةً جديدة. فبحسب ما نقلت الصحف الأمريكية وتحديداً الواشنطن بوست ونيويورك تايمز، فإن المشكلة التي بدأت تأخذ حيزاً من النقاش منذ بداية شهر شباط الحالي، هي في الحقيقة بدأت تتضح منذ أن طرح نائب الرئيس الأمريكي أثناء زيارته الأخيرة لتركيا، عدة قضايا كانت القضية الأساسية والتي شكلت خلافاً بين الطرفين تتعلق بأن تركيا ترى أنه لا بد من تمكين قوى المعارضة السورية المعتدلة (بحسب وصفها) من السيطرة على مناطق غرب الفرات، بينما ترى واشنطن أن حزب الإتحاد الديمقراطي أثبت فعاليته في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وهو ما يجعل الأكراد بحسب الطرف الأمريكي، أقرب للتعاطي مع الأجندة الأمريكية من قوى المعارضة السورية التي ترغب تركيا في تمكينها وتعزيز قوتها.
لذلك وبناءاً لما تقدم، أشارت صحيفة “واشنطن بوست” منذ أيام، الى أن المصاعب التى تواجهها تركيا مع الأكراد فى سوريا، تُعقِّد استراتيجية واشنطن في محاربة تنظيم داعش الإرهابي. وأوضحت الصحيفة أن الخلافات بين واشنطن وأنقرة استمرت حول وضع القوى الكردية التى أصبحت جزءاً رئيسياً من الإستراتيجية الأمريكية لهزيمة داعش فى سوريا.
أما اليوم فنقول، بأن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً. فبالنسبة للواقع السوري فإن الأطراف الإرهابية والتي طالما كانت تشكل نقطة تلاقٍ في المصالح بين الغرب وتركيا الى جانب الرياض وقطر، أصبحت أطرافاً غير قادرة على الإستمرار. وبالتالي فإن كل طرفٍ أخذ يلجأ الى النظر لمصلحته الخاصة. من هنا تبدأ حكاية الإختلاف الأمريكي التركي اليوم. لكن ما يجب الوقوف عنده، هو أنه طالما شكلت تركيا حليفاً مهماً لواشنطن، فلماذا تسعى أمريكا لمصالحها فقط؟ وماذا يجب أن يعرف الأكراد عن حقيقة النوايا الأمريكية؟
ما يجب أن يعرفه الأكراد عن نوايا واشنطن:
قد يعتقد الأكراد بأن تعزيز علاقتهم بواشنطن قد يجعلهم يحظون بكيان مستقل بشكلٍ أقرب للتطبيق. لكن وبغض النظر عن حق الأكراد في في ذلك أو لا، فإن التجربة الأمريكية مع الحلفاء، أكبر دليلٍ على أن واشنطن لا تعمل إلا وفق مصالحها فقط. فإذا كان الطرف الكردي يسعى للتحالف مع أمريكا في شأنٍ لا يصب في مصلحة الطرف التركي، فأين مراعاة واشنطن لحليفها التركي؟
من جهةٍ أخرى، يجب الإلتفات الى أن واشنطن تتعاطى مع الملف الكردي كورقةٍ سياسية لا أكثر، تستخدمها فيما يخدم مصالحها الإستراتيجية. أما بالنسبة للدعم العسكري، فإن ذلك يدخل ضمن السياسة الأمريكية المعهودة والتي تعتمد على ضرورة إنشار قواعد عسكرية تكون مقدمةً لبناء المصالح السياسية. وهو ما أعلنت عنه واشنطن عبر ما سمَّته “The Arch of Crisis” (قوس الأزمات)، وذلك بالدرجة الأولى لحماية مصالحها وتعزيز نفوذها، وليس لمساعدة حلفائها أو الدفاع عنهم.
إذن قد تتقاطع المصالح بين الأطراف، وهو الأمر الذي قد يجعلهم يبنون خطواتهم الحالية بحسب مصلحتهم المشتركة. لكن بالنسبة لواشنطن فهي لم تتعامل مع أيٍ من حلفائها، ضمن قواعد التحالفات، بل تعاطت معهم بحسب براغماتيتها التي قد تجعلهم حلفاء اليوم وخصوم الغد. وهو ما يجري مع الحليف التركي اليوم، وما يجب أن يلتفت له الطرف الكردي. فيما تبقى الأحداث المستقبلية المتعلقة بالأزمة السورية، نتيجة سياسة الأطراف اللاعبين، والتي يبدو أنها ستُغير الواقع الجغرافي والديمغرافي الى جانب السياسي والعسكري.
المصدر / الوقت