من ايران الثورة الى ايران النووية : تاريخ تعدى الجغرافيا وأسس نواة التحرير في العالم
لا شك بأن انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لم يكن حدثاً عادياً. كما أن نتائجه لم تنحصر على الصعيد الإيراني فحسب، بل طالت المنطقة ثم العالم. وهنا فإن الإضاءة على نتائج انتصار الثورة الإسلامية يجب أن يحمل أبعادها، وآثارها وليس فقط الحديث عنها كحدثٍ تاريخي. خصوصاً أن تاريخ ما بعد الإنتصار، أرشف العديد من التحولات الإقليمية والدولية. فكيف كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران، منعطفاً تاريخياً؟
لا شك أن أغلب التحليلات أو المقالات، تتحدث عن ما بعد انتصار الثورة الإسلامية، في حين يجب القول، بأن الإضاءة على مرحلة ما قبل الثورة، ولو بإيجاز، يجعلنا نفهم حقيقة الإنجاز. فما هي النقلة النوعية التي حققتها الثورة الإسلامية؟
لم تكن إيران قبل الثورة مثل إيران اليوم. وهو ما قد يجهله الكثير من الجيل الشاب في إيران. فقد كانت إيران القوة المركزية التي تعتمد عليها السياسة الغربية الإستعمارية، وتحديداً الصهيونية العالمية. وهو الأمر الذي رسَّخه نظام الشاه عبر حلفه الإستراتيجي مع الكيان الإسرائيلي. فجعل مخابراته “السافاك” في تصرف الموساد الإسرائيلي. ولم يكتف بالتعاون الأمني بل زاد ذلك الى مراحل من التعاون الإقتصادي عبر تزويدها بالنفط الإيراني حتى في حروبها. كما كان نظام الشاه صلة الوصل السرية بين الكيان الإسرائيلي والعديد من الأنظمة العربية وتحديداً الخليجية منها.
وبالتالي فإن النظام الشاهنشاهي، كان لاعباً تابعاً، جعل من إيران مركزاً للغرب والعالم. الأمر الذي دفع الدول الغربية الى تزويده بأحدث الأسلحة ليصل الى مرحلةٍ أعتُبر سادس أقوى جيشٍ في العالم في سبعينيات القرن الماضي. وإن كان هدف أمريكا الإستراتيجي حينها، إيجاد قوةٍ تقف في وجه الإتحاد السوفيتي آسيوياً.
بناءاً لما تقدم، ولأن معرفة الماضي تساهم في فهم أهمية الحاضر، نقول إن عظمة الإنجاز لا تمتد فقط من تاريخ ما بعد الثورة، بل تبدأ من ربط ذلك بالواقع الذي سبق الإنتصار. وهنا وبعد أن أوجزنا في ذكر بعضٍ من ذلك، نقول التالي:
منذ أن انتصرت الثورة، كانت واضحة المعالم والأهداف بل الهوية. وهو الأمر الذي يؤكد بأن الثورة جاءت لتنقل إيران بكل ما يرتبط بها حينها، من واقعٍ تابعٍ للغرب وأمريكا، الى واقعٍ آخر واضح المعالم. فقد أسقطت الثورة أكبر نظامٍ دكتاتوريٍ في الشرق الأوسط، وبالتالي وجهت ضربةً قاسيةً للإستعمار الأمريكي والصهيونية العالمية.
ولم تكتف الثورة بإسقاط لنظام، بل وجهت بوصلتها الى هدف التصدي للكيان الإسرائيلي، بإعتباره الغدة السرطانية في المنطقة. وجعلت تحرير فلسطين القضية التي يجب أن تكون هوية الثورة الإسلامية. فالإمام الخميني قدس سره، اعتبر تحرير فلسطين والإيمان بقضية الشعب الفلسطيني، هدفاً يجمع بين تحقيق إزالة الكيان الإسرائيلي، وتوحيد جميع المسلمين.
لذلك فقد نجح الإمام رضوان الله عليه، في نقل إيران من دولةٍ تابعةٍ بمقدراتها الإقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية، الى دولةٍ مستقلةٍ لها قرارها، وترتبط بحضارةٍ تفوق الألفين عام، لكنها تمُد يد التعاون لجميع الدول في العالم الإسلامي والعربي من منطلق احترام الحقوق وحرية الشعوب. وبالتالي فقد استطاع الإمام من خلال ذلك، تقديم نموذجٍ يُعتبر الأول من نوعه في التاريخ.
وهنا لا بد من الحديث قليلاً عن بعض النتائج العملية التي حققتها الثورة الإسلامية، على الصعيدين المحلي والدولي. لذلك نقول التالي:
إن التضحيات التي بذلها الشعب الإيراني العظيم، كانت السبب الأساسي لإنتصار الثورة. وهو ما يجب أن يكون مفخرة الجيل الإيراني الذي لحق بالثورة. لكن هذه التضحيات، لم تقتصر على فترة الثورة وإسقاط نظام الشاه، بل كان الرد الغربي على انتصار الثورة، محاصرة إيران ومعاقبتها. وهي ردة الفعل الأولى التي أثبتت صوابية خيار الإمام الخميني، حيث أكدت بأن أمريكا طرفٌ يسعى لمصالحه ولا يحترم حق الشعوب.
لكن إيران الإمام الخميني التي قدمت تضحياتٍ كبيرة في الكثير من الملاحم خلال وبعد الثورة، لم ترضخ لتلك العقوبات. بل إن كل المكائد التي نصبها الغرب لها لم تنجح. فقد توجهت النخب الإيرانية الى الإعتماد على القدرات الذاتية، في مشروعٍ استراتيجيٍ يهدف لتطوير خطط التنمية الإقتصادية والإكتفاء الذاتي على الصعد كافة. خدمةً لإنجاح مشروع الثورة الإسلامية وتأمين استمراريته كخيارٍ شعبي.
وهو الأمر الذي نقلها عبر تاريخٍ من العمل الدؤوب، الى دولةٍ تحكمها مؤسساتٌ عريقة، تعتبر نموذجاً للديمقراطية والتعددية، مما ساهم في تأمين الأرضية السياسية والإجتماعية لكافة الإنجازات الأخرى. فتحولت من مرحلة السعي لتأمين الإكتفاء، الى قوةٍ نوويةٍ قادرة، يأتي العالم بأسره اليها. وبالتالي فإن الحاضر الذي نعيشه اليوم، يدل على أن خيار الثورة الإسلامية لم يكن ناجحاً فقط، بل صبَّ في مصلحة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة أجمع.
ولعل الحديث عن التحولات في المنطقة والعالم، هو من الأمور التي تتعلق بآثار الإنتصار. ومن خلال الحاضر الذي نعيشه نشير للتالي:
لقد كان انتصار الثورة كحركةٍ تحررية، نموذجاً لجميع الأحرار في العالم. بل إن شعار المستضعفين، جعل من الأمة الإسلامية أمةً تستخدم الثورة كسلاحٍ أمام أي ظلمٍ وعدوان. الأمر الذي ساهم في إنشاء حركات المقاومة الفلسطينية، وكذلك اللبنانية. وبالتالي انتقلت مفاعيل الإنتصار الإيراني على الإستعمار، الى الجوار العربي، فكانت أول خطوةٍ جمعت المسلمين، ضد الإستعمار والهيمنة الأمريكية الصهيونية.
وهنا فإن المخاض الذي أنتجته الثورة، ولَّد على المدى الإستراتيجي ما يُعرف اليوم بمحور المقاومة. والذي جمع إيران الى جانب سوريا وحزب الله والمقاومات الفلسطينية. ليكون الحلف الأول من نوعه الذي يتخطى القوميات والطائفية. مما رسَّخ واقعاً مقاوماً في جوهره، رافضاً للإختلافات، موحَّداً ضد الإحتلال الإسرائيلي.
الى جانب انشاء محور المقاومة، والذي يُعتبر طرفاً وازناً على الصعيد الإقليمي، ساهمت إستراتيجية إيران الواضحة الأهداف والمستقيمة المبادئ – والتي يمكن ومن خلال مراجعة التاريخ، التأكُّد من أنها انطلقت من مبادئ الثورة الإسلامية، وأمنت إستمراريتها من خلالها – في تعزيز النموذج الإسلامي الذي قدمه الإمام الخميني، وأكمل في السير به الإمام الخامنئي. الأمر الذي أسقط كل محاولات الغرب تشويه صورة الإسلام، وميَّز المدرسة الإسلامية الصحيحة والتي تحمل مبادئ المحبة والسلام واحترام حرية الشعوب والأديان، عن تلك التي تدعي زيفاً تعلقها بالإسلام. مما جعل طهران الإسلامية محط العالم لحل كل المعضلات السياسية والأمنية.
يطول الكلام عند الحديث عن إنجازٍ بحجم انتصار الثورة الإسلامية. لكن عظمة الإنجاز ترجمتها القيادة الحكيمة للإمام الخميني، والتي احتضنها الشعب الإيراني وقدَّم من أجلها الدماء. واليوم تستمر القيادة ذاتها تحت لواء الإمام الخامنئي، في ظل وجود أمةٍ تبدأ من إيران ولا تنتهي، تحمل نموذج الثورة سلاحاً لها في مقارعة الإستكبار العالمي بكل أشكاله.
مباركٌ لإيران شعباً وقيادةً، شعباً يحتضن قائداً كالإمام الخامنئي، إنتصاره العظيم. مباركٌ للأمة الإسلامية انتصارها العظيم. مباركٌ للقضية الفلسطينية الجامعة للمسلمين انتصارها. ومباركٌ للتاريخ أنه حضن في طياته نموذجاً يُعتبر مدرسةً في بناء العزة والكرامة وحضارة الإنسان. ويبقى أن نذكر في هذه المناسبة بأن الفضل الكبير، يعود، للخالد في قلب الزمن، روح الله الموسوي الخميني.
المصدر / الوقت