المؤامرة الامريكية بسوريا استنساخ للتطهير العراقي برواندا والبوسنة
فشل مؤتمر جنيف الثالث حول سوريا فيما يبدو أن أمريكا وحلفاءها الإقليميين يحاولون جاهدين تنفيذ مجزرة جماعية في سوريا أسوةً بما جرى برواندا والبوسنة. والتاريخ يذكر الجرائم الأمريكية والدول الأوروبية في إضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية للمدنيين المسلمين في البوسنة والهرسك؛ حيث أغلق الضغط الأمريكي أبواب مجلس الأمن وتم تسجيل التطهير العرقي برواندا بمذبحة راح ضحيتها ما يربو على 800 آلاف من المدنيين برواندا.
الأزمة السورية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 300 آلاف من المواطنين السوريين وجرح أكثر من 700 آلاف آخرين فضلا عن لجوء 4 ملايين سوري خارج البلاد وتشريد 6 ملايين آخرين في الداخل، بدأت قبل 5 سنوات ولم ينجح المجتمع الدولي في وقف شلال الدم في شوارع سوريا حتى الآن بينما تستمر أمريكا وحلفاءها الإقليميين في دعم الإرهاب ولم تقنعهم الإبادة الجماعية منذ خمس سنوات ليقوموا بملاحقة الإرهابيين وتقديمهم للمحاكمة، بل يرسلون لهم بطاقات الدعوة للحضور في مفاوضات السلام بجنيف مما يذكرنا بالقول الشهير لوزير خارجية البوسنة والهرسك ورئيس وفدها المشارك في مفاوضات السلام بها “حارس سيلاجيتش” الذي قال في إشارة إلى مجازر “رادفان كراجيتش” القائد العسكري لصرب البوسنة والمتهم بإرتكاب جرائم الحرب والذي تم دعوته برفقة “سلوبودان ميلوشيفيتش” كالضيوف الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة ومفوضية أوروبا، أنك “إذا قتلت شخصاً واحداً، فإنك تحاكم وإذا قتلت عشرة أشخاص أصبحت من المشاهير، وإذا قتلت ربع مليون إنسان، فستتلقى دعوةً لحضور مؤتمر السلام.” إصرار قادة الجماعات الصربية على مواقفهم أدى إلى وصول المفاوضات آنذاك إلى طريق مسدود وأسفرت مواصلة المجازر طيلة ثلاث سنوات عن مقتل أكثر من 300 آلاف جنديا.
لكن يتكرر التاريخ اليوم في سوريا حيث فشل المجتمع الدولي في الحفاظ على أرواح المدنيين وتظهر دراسة طبيعة الدور الأمريكي في الأحداث السورية أنها قامت بنفس الدور الذي تمثل في الإبادة الجماعية برواندا والبوسنة والهرسك علما أن سقوط الطائرة التي كانت تحمل رئيس الرواندي “جونال هابيا ريمانا” بالقرب من العاصمة “كيغالي” أوقدت شرارة لوقوع المجزرة. وإتهمت طائفة “توتسي” جماعة “هوتو” التي كانت تمثل الأكثرية بالضلوع في هذا الحدث ليندلع الصراع بين الطائفتين حيث راح ضحيتها ما يربو على 800 آلاف من جماعة “توتسي” وأبناء “هوتو” الوسطيين ولايختلف الإثنان على أن الدور الأمريكي كان مشهودا بهذه المجزرة وكشف أرشيف قسم الأمن الوطني بهذا البلد 16 وثيقة سرية أزاحت الستار عن العلم المسبق للحكومة الأمريكية برئاسة “بيل كلينتون” بوقوع المجزرة، لكنها لم تقم بالتدخل العسكري تفاديا لأرواح المدنيين، بل تشير الوثائق إلى أنها كانت تضغط على مجلس الأمن بغية إنسحاب القوات الدولية عن رواندا بعد وقوع أحداث العنف.
ولم ينته الدور الأمريكي في المجزرة عند هذا الصمت المقيت، بل لم يسمح وزير الخارجية الأمريكي “فارن كريستوفر” بإستخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” حتى الأسبوع الأول من يونيو عام 1994 كما لم تصدر الحكومة الأمريكية الأمر بإغلاق الإذاعة التابعة للمتطرفين الهوتو وصرح جنرال “رومئو دالر” من الضباط الأمريكيين ردا على سؤال حول الصمت الأمريكي أمام المجزرة برواندا “لا قيمة لحياة 800 آلاف من المدنيين في رواندا أمام 10 من الجنود الأمريكيين.”
ولايخفى على أحد أن المجتمع الدولي ولاسيما أمريكا لايهتم بحقوق الإنسان، بل عندهم مقاصد أخرى تختلف عن مزاعمهم ولذلك إنتشرت اليوم سياسة التصفية وبث الهلع في غرب آسيا وأصبح الإرهابيون والإجراءات الإرهابية أداة بيد الغرب لتنفيذ السياسات وتحقيق مطالبه مما تراكمت الغيوم بأفق السلام والإستقرار في المنطقة أكثر من أي وقت مضى وليس هذا الواقع المرزي وليد وجود تنظيم “داعش” الإرهابي الذي أتت به الدول الغربية، بل يتجذر في سياسات الغرب بوصفه الداعم الرئيسي لهذه الجماعات.
وتبرز هذه الظاهرة في المشهد السوري أكثر من المواقع الأخرى؛ حيث تتم دعوة الجماعات الإرهابية على طاولة المفاوضات بعد خمس سنوات من القتل وإقتراف المجازر وفي ظل إنتصارات الجيش السوري فلذلك يصعِّد المجتمع الدولي الضغط عليه لوقف مسلسل الإنتصارات وتحاول الدول الغربية الوصول على طاولة المفاوضات إلى ما لم تستطع تحقيقه في الساحة الميدانية وهذا دليل واضح على إزدواجية المعايير لدى الأسرة الدولية والغرب؛ حيث يقر مجلس الأمن قرارات حول ما يقلق أمريكا والغرب فيما لايعنيه معاناة الملايين من الأطفال الأبرياء والعجائز بسوريا.
ويؤكد الجميع أنه يجب وضع النهاية للمؤامرة الدولية التي تتمثل في الصمت أمام مجازر الإرهابيين؛ لأنها تعزز ثقافة الهروب من العقاب ما يذكرنا بسؤال هام لـ”رومئو دالر” الذي سأل “هل إننا بشر جميعا، أو بعضنا أفضل من الآخرين؟”
المصدر / الوقت