التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

مصر السيسي وشغف الاقتراب من ” اسرائيل ” ماذا ستكون النتيجة 

الوقت ـ إذا ما بحثنا في جميع أحقاب التاريخ المصري منذ إختلاق الكيان الإسرائيلي رسميا في 1948 حتی الیوم، سنجد أن جميع مواقف وشعارات الشعب المصري كانت ولازالت تحمل في طياتها أبعد حدود العداء والبغض والكراهية تجاه هذا الكيان. ولم ينس العالم التضحيات الجسيمة التي قدمتها مصر زمن النظام الملكي وبعد إعلان الجمهورية وتولي قيادتها من قبل “محمد نجيب” والزعيم “عبدالناصر”، في مجال محاربة الصهيونية العالمية المتمثلة بالكيان الإسرائيلي. حيث قدم الشعب المصري عشرات الآلاف من خيرة أبنائه شهداء للدفاع عن فلسطين ومحاربة العصابات الصهيونية خلال وبعد الاربعينات من القرن الماضي. ولايمكن أن ينسی الشعب المصري الحروب التي شنها الكيان الإسرائيلي علیه والتي أدت هي الاخری ايضا الی استشهاد عشرات الآلاف من المصريين وإحتلال شبه جزيرة سينا لفترة طويلة من الزمن.

فاذا ما كانت التيارات والاحزاب المصرية تختلف مع بعضها البعض تجاه مختلف القضايا، فاننا لم نسمع في يوم من الايام أن هذه الاحزاب والتيارات قد اختلفت علی عداء الكيان الإسرائيلي ولم نسمع ايا منها، سواء كانت اسلامية او قبطية، علمانية أو إسلامية، نادت بانها تعتبر كيان الإحتلال “صديقا للشعب المصري”. إذن رغم جميع هذه المواقف الموحّدة من قبل الشعب والاحزاب المصرية، طيلة العقود الماضية، تجاه الكيان الإسرائيلي وإتفاق جميع هؤلاء المصريين علی أنه كيان غير شرعي ومغتصب لأرض الشعب الفلسطيني، فلماذا نری هذه الايام كل هذه المحاولات، غير المسبوقة من قبل “عبدالفتاح السيسي” للتقارب مع الكيان الإسرائيلي؟

حب المصريين لعبدالناصر بسبب عدائه لإسرائيل

هناك العديد من الاسباب، لمحبة المصريين وتعلقهم بالرئيس “جمال عبدالناصر”، لا نريد التطرق الیها جميعا، فانها كثيرة، لكنه من المعلوم ودون أي ملابسات، فان عداء “عبدالناصر” الشديد للكيان الصهيوني وعمله علی اجتثاث هذا الكيان، لعب دورا جوهريا في إيجاد وخلق هذه المحبة في قلوب المصريين تجاه زعيمهم الخالد “جمال عبدالناصر”. بالطبع فان “عبدالناصر” لم يعادي الكيان الإسرائيلي من تلقاء نفسه، وبناء علی أفكاره ومعتقداته الخاصة، بل أن أساس هذا العداء من قبل ناصر تجاه الكيان الإسرائيلي يعود في الأساس الی عداء الشعب المصري تجاه هذا الكيان في الدرجة الاولی. وبطبيعة الحال فان الرئيس لابد أن يمتثل الأفكار والمواقف التي يؤمن بها شعبه، وهذا ما قام به “عبدالناصر” حتی يوم حياته الاخير.

السادات وثمن الاقتراب من “إسرائيل”

وإذا ما انتقلنا الی فترة رئاسة “أنور السادات”، والذي فقد حياته بسبب توقيعه إتفاق السلام مع الإسرائيليين، فاننا نری أن الرجل وقبل أن يغير سياساته تجاه الكيان الإسرائيلي، فقد كان مقاوما ومعاديا شرسا لكيان الاحتلال وخاض حروب استنزاف طويلة ضد تل أبيب، تنفيذا لرغبة الشعب المصري وتطلعاته، حتی صارت الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة المصرية علی الكیان الإسرائيلي بقيادة “السادات” في السادس من أكتوبر عام 1973، ذكری سنوية مجيدة يخلدها الشعب والجيش المصري منذ ذلك الزمن حتی الیوم في كل عام تحت عنوان أعياد انتصارات اكتوبر. وبعد مرور أكثر من 40 عاما علی أنتصارات أكتوبر، فان قيادات الجيش المصري تعتبر هذه المناسبة نصرا عظيما علی الكيان الإسرائيلي تبعث علی الفخر. ويقول اللواء “مصطفي هدهود” مدير المخابرات الحربية المصرية الأسبق حول هذه المناسبة، إن “حرب ١٩٧٣كانت عبارة عن ثورة لتحقيق مطالب الشعب، مشيرا إلى أن القوات المسلحة استطاعت تحقيق هذه المطالب بالانتصار على العدو الإسرائيلي”، مضيفا أن انتصار أكتوبر أعاد الثقة للجيش المصري والعرب وللشعب المصري، حسب ما نقلت عنه “بوابة أخبار الیوم” المصرية.

استمرار عداء المصريين لإسرائيل رغم توقيع معاهدة كمب ديفيد

معظم المحللين يعتقدون بان اتفاقية السلام لم تتمكن من تحقيق سلام بين الشعب المصري والمجتمع الإسرائيلي علی الاطلاق، بل علی العكس من ذلك فقد إزداد عداء المصريين تجاه الإسرائيليين يوما بعد يوم بعد توقيع اتفاق السلام، وبقيت إتفاقية السلام مجرد سلام بين الحكومة المصرية والحكومة الإسرائيلية وليست سلام بين “شعبين”. ولهذا نری أن جميع أمجاد الرئيس “أنور السادات” قد انهارت بمجرد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 وكذلك توقيعه معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979. لا بل لم يؤدي توقيع هذه الإتفاقيات من قبل “السادات” مع الإسرائيليين الی تبخّر جميع أمجاده السابقة التي اكتسبها في الحرب ضدهم، بل دفع الثمن غالیا وتم إغتياله بسبب توقيعه مثل هذه الاتفاقيات التي أعتبرها في مابعد معظم الشعب المصري، بانها مهينة ومجحفة بحق الفلسطينيين والعالم الإسلامي.

الشعب ينتقم من مبارك لعلاقاته مع الإسرائيليين

وبالرغم من أن “حسني مبارك” تمكن أن يحافظ علی السلام الذي أسسه سلفه مع الإسرائيليين، عبر الزج بالمعارضين لهذا السلام في السجون والضغط علیهم بمختلف الطرق الاخری من خلال قوانين حالة الطوارئ، إلا أن المجتمع المصري بقي يكنُّ العداء لمبارك بسبب علاقاته الوطيدة مع الإسرائيليين، حتی سنحت الفرصة وإنهال هذا الشعب في أغسطس /آب 2011 علی السفارة الإسرائيلية وأضرم النيران بها بعد تخلصه بفترة قصيرة من نظام مبارك في نفس العام. وإذا ما بحثنا عن النتائج التي إكتسبها “مبارك” من خلال علاقته مع الإسرائيليين، فاننا لم نرَ أي مكتسب ذات قيمة حقيقية من وراء هذه العلاقة، لكن في المقابل تمكنت “إسرائيل” من تحقيق إنجازات إستراتيجية من خلال إخراج القاهرة من الصراع العربي الإسرائيلي. حيث شعر العرب وخاصة الفلسطينيين أن ظهرهم انكسر عندما نأت مصر بنفسها في مايخص الصراع مع العدو الإسرائيلي.

هل سيواجه السيسي مصير السابقين بسبب علاقاته الحميمة مع الإسرائيليين؟

بعد فترة وجيزة علی الاطاحة بحكومة “محمد مرسي” عام 2013 علی يد الجيش المصري بقيادة “عبدالفتاح السيسي”، سعی “السيسي” الی توطيد علاقاته مع الإسرائيليين. حيث أكد مصدر امني مصري في أغسطس /آب 2013 وبعد فترة قصيرة من عزل “مرسي”، أن مصر عززت تعاونها خاصة في المجال الأمني والعسكري مع “إسرائيل”. ويضيف المصدر أن القاهرة طالبت تل أبيب تقديم دعم عسكري لمحاربة المتطرفين في سيناء. وفي نفس هذا الشهر (آب) كتبت معاريف أن الكيان الإسرائيلي أرسل وفدا أمنيا لزيارة القاهرة عقب الاطاحة بمرسي، التقی الوفد خلال هذه الزيارة بقيادة الجيش للتأكد من مواصلة التعاون الأمني بين الجانبين. حيث أكدت الصحيفة الإسرائيلية أن العلاقة الثنائية بين القاهرة وتل أبيب بعد عزل الرئيس الاخواني أصبحت علی شكل غير مسبوق.

وفي أغسطس /آب 2014 جاء “دان جيلرمان” السفير الإسرائيلي السابق في الامم المتحدة ليحدثنا عن علاقة “السيسي” بالکیان الاسرائيلي، حيث قال بان “السيسي” هو أفضل “الخبازين” لاي إتفاقية يمكن من خلالها وضع حماس في مكانها المناسب. وبعد عودة السفير المصري من تل أبيب في نهاية 2012، بسبب الاحداث التي وقعت في تلك الفترة، عين “عبدالفتاح السيسي” للمرة الاولی في الـ21 من حزيران 2015 “حازم خيرت” ليكون سفيرا لبلاده لدی الكيان الإسرائيلي. حيث وصفت الصحافة الإسرائيلية برفقة العديد من المسؤولين الإسرائيليين بان “العلاقات المصرية الإسرائيلية في ظل حكم السيسي باتت أكثر متانة”.

وظلت وتيرة العمل سارية للتقارب نحو الكيان الإسرائيلي من قبل الرئيس “عبدالفتاح السيسي” منذ وصوله الی السلطة حتی الیوم، حيث تعودنا في كل يوم نسمع أخبار جديدة من قبل الصحافة الإسرائيلية، وعلی ألسنة القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، حول مساعي “السيسي” لإنجاز مهمته المتمثلة بتحقيق مزيدا من التقارب مع الإسرائيليين. وليس “ليبرمان” وزير الخارجية الإسرائيلي السابق لوحدة من سمعناه تحدث في تموز العام الماضي عن ضرورة دعم “السيسي” في ما وصفه بحرب “السيسي” علی الإرهاب في سيناء، والتي أعتبرها بانها حرب لمصلحة “إسرائيل”.

ولم نبق نسمع التصريحات حول ضرورة تعزيز العلاقات بين مصر والكيان الإسرائيلي، فقط من قبل المسؤولين الإسرائيليين، بل جاء دور “السيسي” نفسه ليدعو في أيلول العام الماضي، العالم العربي لتوسيع علاقاته مع كيان الإسرائیلي، مما أدت هذه الدعوة الی تثمينها بشكل كبير من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو”. وفي أثناء ذلك فقد أنهی “السيسي” عام 2015 بارساله رسميا “حازم خيرت” الی تل أبيب ليكون سفيرا جديدا لمصر بعد مرور ثلاثة أعوام علی استدعاء السفير السابق زمن “محمد مرسي”.

وواصل “السيسي” تعاونه الامني والاستخباري والإقتصادي والعسكري مع الإسرائيليين في عام 2016 ايضا حتی كشف “يوسي ميلمان” الخبير الامني الإسرائيلي في كانون الثاني من هذا العام، بان “السيسي” قدم خدمة أمنية كبيرة للإسرائيليين من خلال منعه إيصال السلاح للمنظمات الفلسطينية في غزة، والتي كانت تجري عبر عمليات التهريب التي تمر بالاراضي المصرية، انطلاقا من الأراضي السودانية.

ولم يمض علی هذه الاخبار كثيرا حتی أخبرنا وزير الطاقة الإسرائيلي “يوفال شتاينتس” في السادس من شباط لهذا العام، أن “السيسي” غمر بالمياه الأنفاق الواقعة بين الحدود المصرية وغزة وكان ذلك بطلب من السلطات الإسرائيلية. حيث أدی تدمير هذه الانفاق الی شحة البضائع في قطاع غزه ومتاعب معيشية وإقتصادية جمة للفصائل الفلسطينية وعامة الشعب الفلسطيني. وقائمة تعاون “السيسي” مع الإسرائليين تطول، لامجال لسرد جمیع تفاصیلها في هذا المقال، نكتفي بهذا القدر.

النتيجة

لقد دفع الرؤساء المصريين السابقين ونعني “أنور السادات” و”حسني مبارك” ثمنا باهضا بسبب علاقاتهم مع الإسرائيليين، وكلفوا المصريين خسائر جسيمة إثر تلك العلاقة، فضلا عن أنهم لم يبقوا لأنفسهم كرامة ولامكانة لدی الشعب المصري وسائر الشعوب العربية والإسلامية بسبب تلك العلاقة المشؤومة. فانطلاقا من هذه التجربة نطرح هذا السؤال: ماذا يمكن أن يكسبه نظام “السيسي” من مساعيه الحثيثة للاقتراب أكثر فاكثر تجاه الإسرائيليين، إذا ما استمرت مساعيه للاقتراب من الكیان الإسرائيلي؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق